أعظم النفوذ الثقافي الأجنبي على الشباب في السودان خلال السنوات الأخيرة يغلب عليه الطابع الأميركي أو الغربي بصفة عامة، وقد تلحظ ذلك في السلوك أو في الملبس أو طريقة الأكل وأنواعه من البيرغر والهوت دوق الى إدمان الكولا. ولكن يبدو أن هناك وافداً جديداً يبحث عن مكان، إذ تلوح مؤشرات تؤكد أن الحكومة الصينية بدأت بالتدخل. فالسائر في شوارع الخرطوم يجد المنتجات الصينية في كل مكان. لقد قيل الكثير عن اندفاع الصين في افريقيا والسودان موقع في غاية الأهمية والحيوية في المنطقة. ولكن الصين ما زالت بطيئة في المباراة المقامة بين النشاط الاقتصادي واستراتيجية التنمية الثقافية. الآن تظهر بوادر تشير إلى أن المشهد يمكن أن يكون على وشك التغيير. المعرفة الخاطفة بالشباب السوداني تكشف أن أميركا لا تزال الأكبر نفوذاً. أحد الطلاب من جامعة السودان اسمه محمد أخبرني: (نحن نشاهد قنواتهم و نستمع لموسيقاهم، بالطبع التأثير الأمريكي كبير)، وهذا النفوذ يخلق تغييرات سطحية على ثقافة الشباب، والتداعي الناتج عن الاقتصاد يمكن أن يكشف عن نفسه عن طريق التسجيل في الجامعات الأجنبية أو دورات لغوية (في الداخل والخارج) والهجرة العالمية والرحلات السياحية. من الهيئات الثقافية الأجنبية التي تعمل حالياً في الخرطوم المجلس الثقافي البريطاني، المركز الثقافي الفرنسي، الألماني، والسفارة الأميركية، وهي تنظم من حين لآخر برامج ثقافية، مثل أمسيات الشعر وعرض أفلام سينمائية وإقامة الحفلات الموسيقية. هذه المراكز تلعب دوراً نشطاً في تغيير البنية المحلية التعليمية. المجلس البريطاني نظم فعالية لمدة ثلاثة أيام تحت شعار (وقت التغيير في المرحلة الجامعية في السودان) الذي هدف الى تجديد كامل للبنية الحالية للتعليم الجامعي في الخرطوم. المؤشرات التي ظهرت مؤخرا تشير إلى أن الصين قد قررت أخيرا أن الوقت قد حان لانضمامها إلى ميدان معركة الثقافات، فوقعت اتفاقية مع اثيوبيا في نهاية يناير الماضي للتعاهد بتعزيز التعاون الثقافي بين الدولتين خلال السنوات الأربع المقبلة. وهذا الاتفاق بدأ متزامناً مع مهرجان للأفلام الصينية في أديس أبابا، ولكن الاتفاق الثقافي يهدف لتحقيق أهداف طويلة الأمد للاتصال الثقافي بين الصين والمنطقة الأفريقية. لكن القنصل الصيني في الخرطوم قال لي إنه لا توجد خطة حالية لأنشطة ثقافية أو لغوية. بعض المشاهد تشير إلى أن الشعب السوداني أصبح واعياً بالنفوذ الصيني في حياته اليومية، فعدد الطلاب الذين يدرسون اللغة الصينية في جامعة الخرطوم ارتفع من 35 في 2005 الى أكثر من 180 هذه السنة. أحد الطلاب بجامعة الخرطوم قال: باللغتين العربية والصينية أستطيع الحصول على وظيفة بسهولة كمترجم لشركة صينية، بالتالي الحصول على راتب مغري. اللغة الصينية حتما مفيدة أكثر من الانجليزية في الخرطوم. في سنة 2008 سافر أكثر من 120,000 شخص من كافة أنحاء العالم إلى الصين للالتحاق بجامعات هناك، والعدد قبل عشر سنوات كان 8000 فقط. غير أن الانتشار الصيني في أفريقيا لم يكن بسهولة تامة، المشاكل بين الصينيين والسكان المحليين كانت سائدة في زامبيا عام (2006)، اثيوبيا (2007)، نيجيريا (2007)، جنوب أفريقيا (2007)، الكاميرون (2009) والجزائر (2009). القسم الصيني في جامعة الخرطوم حث وأكد على أن العلاقات الثقافية بين الصين والسودان قوية، ولكن الأمر مختلف في سوق العمل، فالمؤسسات الصينية تصر على استيراد العمالة الصينية، وهذا يضر العمالة المحلية. هناك أيضا مشكلة اكتساح الأسواق المحلية بالمنتجات الصينية الرخيصة، التي تعرقل استيراد المنتجات الجيدة من دول أخرى أو تطور الصناعات المحلية. التردد في تطوير العلاقات الصينية ليس محصوراً في المستويات الشعبية فقط بل يصل أحياناً مستوى القيادات والطبقة السياسية، فقد حذر رئيس جنوب أفريقيا السابق ثابو مبيكي من تدخلات الصين في القارة الأفريقية. ويبدو أن الثقافة الصينية في الخرطوم مازالت بعيدة عن التأثير وغير منتشرة، متمركزة في المطاعم الصينية ومجتمع صغير في المناطق السكنية المميزة مثل حي الرياض. من الواضح أن الصين لها دور كبير ومستمر على امتداد العالم، ولا شك أن الثقافة الصينية في السودان ستستمر بالتقدم خلال السنوات القادمة. ويبقى السؤال : إلى أي حد تستطيع الصين استمالة الشعب السوداني لتفوز بنفوذ أكبر من التأثير الأمريكي الواضح رغم العداء المستحكم بين الحكومتين في الخرطوم وواشنطن. الوسائل والنية ظاهرتان، فالصين تستعد أن تجعل السودان من أبرز شركائها في القارة، والانتظار لن يطول لمعرفة النتيجة واقعاً ملموساً في الأندية والطرقات والجامعات . أون جرافهام