في الكتاب الذي نعرضه هنا، "الصين وأفريقيا... قرن من الانخراط"، يتناول الكاتبان ديفيد شين السفير الأميركي المخضرم لدى أكثر من دولة أفريقية، وجوشوا إيزنمان الخبير في القضايا الصينية، تاريخ العلاقات الصينية الأفريقية، بالإضافة إلى دراسة واقعها الحالي واستشراف مستقبلها. فخلافاً للكتب الأخرى التي تطرقت للعلاقة بين القارة السمراء والصين وركزت على ملمح من ملامحها، يسلط المؤلفان الضوء على جوانب متعددة لرسم صورة أشمل عن ملامح العلاقة الأفريقية الصينية وفرص استمرارها في المستقبل، وهكذا يؤكد الكتاب على أن طبيعة العلاقة التي تنامت في السنوات الأخيرة تتجه نحو الاقتصاد والتجارة وتبتعد عن السياسة ومشاكلها، وهي تعتمد على مجموعة من المقومات الموضوعية والمصالح الثابتة التي تجعل من العلاقات بين الجانبين قوية وقادرة على تجاوز بعض مظاهر التوتر. فالصين تحكم في نظرتها لأفريقيا مجموعة من المحددات التي يشير إليها الكتاب وعلى رأسها الولوج إلى المواد الخام الضرورية للاقتصاد الصيني المزدهر، فثلث واردات الصين من البترول تأتي من القارة الإفريقية، كما تحصل الصين على كميات مهمة من المعادن الثمينة من الدول الإفريقية. وفي هذا السياق يشير الكتاب إلى تضاعف الصادرات الأفريقية إلى الصين 11 مرة منذ عام 2000، وبالطبع يساعد حصول الصين على جزء من احتياجاتها الطاقية والمعدنية على استمرار الحزب الشيوعي الصيني في السلطة. لكن الصين تبحث أيضاً عن أسواق جديدة لمنتجاتها في أفريقيا، حيث تشير الأرقام إلى ارتفاع الصادرات الصينية إلى أفريقيا تسع مرات تقريباً منذ عام 2000. ومع أن التجارة بين الطرفين لا تمثل سوى 4 في المئة من حصة التجارة العالمية، فإنها تبقى رقماً مهماً بالنظر إلى سرعة نموها. وإلى جانب المحددات الاقتصادية في العلاقة بين الصين وأفريقيا هناك العوامل السياسية، حيث تسعى الصين إلى الاستفادة من دعم الدول الإفريقية (54 دولة) لتعزيز حضورها في المؤسسات الدولية، فهي تبحث عن حلفاء داخل المؤسسات الوازنة، مثل مجلس الأمن ومجلس حقوق الإنسان، مقابل الوقوف إلى جانب تلك الدول في محافل دولية أخرى كمنظمة التجارة العالمية. وإذا كانت الصين لا تمانع في إقامة الدول الأفريقية علاقات تجارية مع تايوان، فإنها ترفض قطعياً تحول تلك الصلات الاقتصادية إلى علاقات دبلوماسية. ولئن كان من الصعب تعميم علاقة الصين بأفريقيا من خلال دولها المختلفة، بحيث تبقى لكل بلد سياسته الخارجية الخاصة وعلاقته المتفردة مع العملاق الاقتصادي، فإنه بالنسبة للصين يبقى من الأسهل عليها التعامل مع الدول الأفريقية منفردة، لما ينخر العلاقات الأفريقية من صراعات بينية. وفي هذا السياق تعتمد الصين على مقاربة خاصة تميزها عن الغرب تتمثل في تقديمها عروضاً شاملة للدول الأفريقية مقابل حصولها على المواد الأولوية، تشمل اتفاقيات أمنية، وأخرى في مجال تطوير البنية التحتية. بيد أن العلاقات الأفريقية الصينية ليست وليدة اللحظة، ولم تكن دائماً ذات بعد اقتصادي محض، فالكتاب يؤكد أن العلاقات السياسية بين الصين وأفريقيا كانت أقوى في سياق الحرب الباردة، خلال الخمسينيات والستينيات عندما قدم الحزب الشيوعي الصيني الدعم لحركات التحرر، وإن كان هذا الأسلوب قد انقلب تماماً في تسعينيات القرن الماضي، بعدما أصبحت الصين أكثر برجماتية في سياساتها الخارجية بهدف تعزيز مصالحها الاقتصادية، فتعلمت التأقلم مع تطورات البلدان الأفريقية، لا يهمها تغير الأنظمة ولا الطريقة التي جاءت بها، سواء أكانت ديمقراطية أم عسكرية، ما دامت الاتفاقات التجارية مستمرة والصفقات متواصلة. ولعل مسارعة هو جينتاو إلى تهنئة مرسي بعد فوزه بانتخابات الرئاسة المصرية أفضل مثال على برجماتية الصين واستعدادها للتأقلم من الأنظمة الجديدة. غير أن الصين تسعى أيضاً إلى بث أنشطة ثقافية ولغوية (القوة الناعمة)، تريد من خلالها إيصال الثقافة الصينية إلى الأفارقة ونشر المبادئ الكونفوشيوسية التي تؤسس للثقافة الصينية. ولعل الانتشار الواسع للمراكز الثقافية الصينية ومعاهد تعليم لغتها، خير دليل على ذلك. زهير الكساب الكتاب: الصين وإفريقيا... قرن من الانخراط المؤلفان: ديفيد شين وجوشوا إيزنمان الناشر: جامعة بنسلفينيا المصدر: الاتحاد الاماراتية 18/11/2012م