المؤتمر الوطني شاطر، وعلى الآخرين إن أرادوا منازلته أن يعترفوا بهذه الحقيقة، فإن لم يفعلوا، استمروا في دفن رؤوسهم بالرمال ! لقد فهم الحزب اللعبة، رغم انه حديث عهد، فاقترب من الناخبين في القرى والبوادي، ونازل الأحزاب العتيدة في عقر ديارها، فجرّعها الهزائم، لأنه كان الأقرب للإقناع، بقياداته، وقواعده، التي سارت مع الناس في جنائزهم، وتقدمت صفوفهم في الصلاة، وأغدقت من مالها لمشاريع النفع العام، ودعمت كل عمل إنساني واجتماعي، وتصدت للريادة في كل شأن .. يلامس حياة الناس. والآخرون كانوا أصحاب فرصة أكبر، وأحسن، من المؤتمر الوطني، لأن (الوطني)، مثلما أنجز الكثير، كانت له جبال من الأخطاء.. سياسية، وحكومية، حيث لا يمكن أبدا الفصل بين أخطاء السياسة، وأخطاء الحكومة، طالما كان المتنفذون سياسيا في الحزب، هم المسؤولين تنفيذيا في الحكومة ! كان بإمكان الآخرين اللعب على ورقة الأخطاء ، ومحاولة جذب الناخبين، وإيقاظ العاطفة للانتماءات القديمة، لكنهم أخطؤوا التكتيك، واختاروا الانسحابات، والمقاطعات، وتركوا الساحة خاوية للمؤتمر الوطني، ليلتهم الكعكة التي عمل لها منذ زمن، ثم لينتظروا بعد ذلك، أن يجود عليهم الحزب الشاب ببعض النصيب، وقد فعل ! مشكلة الآخرين أنهم نائمون في العسل، ومنهمكون في التشظي، ومدفونون في (رد الفعل)، ولولا جهد فردي يقوم به الصادق المهدي، الذي يصفق وحده دون يد أخرى تدعمه، لقلنا ان التقليديين قد دخلوا في غيبوبة الموت ! الآن، وبدلا من التباكي والعويل، بأن (الوطني) قد ورّط السودان في (تقرير المصير للجنوب)، وهو بالمناسبة خيار كانت كل الأحزاب تباركه سرا أو جهرا قبل الإنقاذيين .. بدلا من ذلك، عليهم الاستيقاظ، والتعامل مع (الأمر الواقع) .. وتسجيل دور يحافظ على وحدة التراب، بالمبادرات التي تسابق الزمن، وتضع يدها مع الوحدويين شمالا وجنوبا، ولو بتحالفات تكتيكية، فهم ملوك هذه التحالفات ، وأصحاب إرث تاريخي عشناه إبان انتخابات اتحادات الطلاب أيام الجامعة، وشهدناه في الحياة السياسية العامة طوال عهود الديمقراطيات .. وطوال عهود (النضال) ضد الديكتاتوريات والشموليات ! التاريخ يفتح الآن أهم صفحاته السودانية على الإطلاق، وسيسجل مواقف ومبادرات المنحازين لوحدة الوطن، مثلما سيسجل تقاعسات المتراخين، الذين لا يكترثون لخراب سوبا أو عمارها ! إن الأذكياء .. هم من يتعلمون، حتى من تلاميذهم، تصوروا أن (الوطني)، وهو في مرحلة النشوة الكبرى بكسب الانتخابات الماضية، كان يشكل لجنة، للانتخابات القادمة بعد أربع سنوات، استعدادا لها، وسعيا لاكتساحها كما فعل من قبل ! اعترفوا بأن المؤتمر الوطني شاطر، فتلك خطوة أساسية، إن كنتم تريدون منازلته وهزيمته .. في المرات القادمة !