كل النداءات التي دخلت الى النادي السياسي في السودان كانت محصلتها النهائية تلك العبارة الجاذبة (صرخة في وادي الصمت) حتى ان سيناريستا بارعا اتخذها عنوانا لأحد اعماله الفنية. نداء السودان اوائل الثمانينيات لانقاذ المواطنين من قسوة الجفاف وخطر الجوع، نجح بالكاد في ان يلامس نخوة المانحين، ولكنه لم يمنع اعداداً مقدرة من الموت جوعا ومرضا. ولم يستقطب نداء الصادق المهدي لانصاره داخل السودان (لعل اسمه نداء الهجرة) بغرض الالتحاق بالعمل المسلح الخارجي لاسقاط الانقاذ سوى اعداد قليلة من كوادر جيش الأمة، ثم ما لبثت ان عادت وانتهى بها المطاف لاحتلال دار الحزب بالقوة، ولم تخرج منه إلاّ الى المستشفى بفعل الجوع، او الى من حيث اتت بناء على الوساطة. ولم يحقق نداء الوطن الذي توافق عليه حزب الامة والمؤتمر الوطني الا لحظات صفاء سياسي مؤقتة لكنها لم تدم طويلا فتعكرت بفعل سخونة الطقس السياسي والتهاب المواقف الحادة. هل يكون النداء الذي اطلقه الاستاذ علي محمود حسنين السياسي والقانوني المعتق ونائب رئيس الحزب الاتحادي الاصل لحلفائه (احزاب تحالف جوبا) بعدم خوض الانتخابات القادمة، هو شئ مشابه لتلك النداءات؟ ام انه امر مختلف؟! حسنين ساءه ان يرى الاحزاب المعارضة تشرع مثلها مثل المؤتمر الوطني في التهيؤ للانتخابات وممارسة كافة المراحل الانتخابية التي تم الاعلان عنها، مثل تسجيل الناخبين والطعون في عملية التسجيل وفي الدوائر الجغرافية، ومحاولة جس نبض القواعد، والاطمئنان الى اهل الولاء القديم. ليس ذلك فحسب بل ان معظم احزاب تحالف جوبا (تضرب اخماساً في اسداساً) لتسمي مرشحها لرئاسة الجمهورية ومنها من قام بذلك اصلا كمبارك الفاضل الذي يتوبأ - للمفارقة - منصب رئيس اللجنة التحضيرية لملتقى جوبا.. ومنهم من سبق المؤتمر الوطني نفسه مثلما فعل الدكتور الترابي- اشد الناس عداوة للانقاذ- وهو يقدم الاستاذ عبدالله دينق نيال كمرشح لرئاسة الجمهورية.ومنها من تأخر قليلا كالحركة الشعبية ? الراعي الرسمي للملتقى حيث سمت عرمان مرشحا. نداء حسنين لحلفائه كان مناشدا في اوله، ومذكرا في وسطه، ومحذرا في آخره..المناشدة كانت لجميع السودانيين يدعوهم فيها لمقاطعة الانتخابات، لانها ستتم بناء على قاعدة التعداد السكاني الذي اعترضت عليه الاحزاب السياسية، وبالتالي فإن الاعتراض يسري تلقائيا على الدوائر الجغرافية، الى جانب انعدام البيئة الديمقراطية لاجراء انتخابات حرة ونزيهة بعد اجازة قانون الامن، كما ان التأجيل السابق لمواعيد الانتخابات تم دون توافر الشروط المنصوص عليها في القانون. النداء هاجم تحالف احزاب جوبا لانها نكصت - كما يرى الاستاذ حسنين- عن اتفاق قضى بمقاطعة الانتخابات اذا لم تتوافر استحقاقات معينة قال ان الجميع الآن يدرك ويقر ويعلن ان اياً منها لم يتحقق مما يتعين معه اخلاقيا ووطنيا وسياسيا مقاطعة الانتخابات. وفي خاتمته التحذيرية تساءل حسنين ما اذا كان الراغبون في المشاركة يسعون لاعطاء سلطة الانقاذ شرعية وسندا لانتخابات نتائجها محسومة ومقررة(ان فعلوا ذلك فلا يقبل منهم التباكي على الديمقراطية والاحتجاج على انتخابات حسمها التزوير لأنهم دخلوها عالمين بحالها ومآلها ونتائجها، والعاقل لا يلج النار اختيارا ليصرخ بأنها محرقة فمن دخلها احترق وهلك مع الهالكين). ما فعلته احزاب ملتقى جوبا من مسارعة في الترشح للرئاسة وانتداب ممثلين لمراقبة عملية التسجيل وتقديم طعون للمفوضية، ظهر للكثيرين كأنه تعمد من هذه الاحزاب لاغاظة الاستاذ علي محمود حسنين الذي حضر من الخارج وكسر عزلته المجيدة وغادر منفاه الاختياري عائدا الى السودان اواخر العام الماضي، واختط لنفسه بمشاركته في ملتقى جوبا مسارا خاصا بعيدا عن مسار حزبه الاتحادي المقاطع لاعمال الملتقى. هناك حالة واحدة يمكن ان يستمع فيها تحالف احزاب جوبا لنداء حسنين..وهي ان تقاطع الانتخابات في اللحظة الاخيرة قبل التوجه نحو صندوق الاقتراع.