ارتفاع مناسيب النيل بصورة تؤكد حدوث فيضانات هذا العام أكدته «الأهرام اليوم» قبل شهرين عندما نشرت في تحقيق سابق تأكيدات إدارة الإرصاد الجوي بحدوث فيضانات هذا العام تفوق في معدلاتها فيضان العام 1988م بل وتفوق في ارتفاع مناسيبها في جميع الأحباس فيضانات العام 1946م الشهيرة. فقد أكد خبراء الإرصاد ل«الأهرام اليوم» خلال يونيو الماضي أن درجة حرارة المسطحات المائية هذا العام فاقت في ارتفاعها درجة حرارة تلك المسطحات في العام 1946 مما يدعم حدوث فيضانات للنيل هذا العام تفوق تلك الأعوام!! وزارة الري توقعت زيادة في مناسيب النيل الأزرق تجعله يصل الى (20) متراً عند الخرطوم خلال الأيام القادمة مما يعني دق ناقوس الخطر هنالك!! تواصل ارتفاع مناسيب النيل منذ بدايات هذا الفصل كان أمراً عادياً بل متوقعاً لكن أن تصل المناسيب منذ الأسبوع الماضي إلى حدود ال(17) متراً عند الخرطوم مع مواصلة ارتفاعها عند الأحباس، دعا الدفاع المدني واللجنة العليا للفيضانات بوزارة الري إلى إطلاق التحذيرات للمواطنين الذين يقطنون قرب النيل خاصة مناطق الهشاشة في النيل. صرخات من داخل الأحياء أحياء عديدة بولاية الخرطوم ضمن التي صُنّفت بالمناطق المهددة أصبح سكانها لا ينامون الليل خشية غدر النيل ومياهه بهم وبممتلكاتهم. في حي (الصالحة) دخل النيل، مثلما يدخل كل عام، على منطقة (القيعة) «الأهرام اليوم» لاحظت أن الأهالي هنالك بدأوا في تنفيذ التحوطات واضطر بعضهم الى ترك منازلهم واللجوء إلى أقاربهم قالوا إن المحلية كانت قد أنذرتهم مسبقاً بعدم تشييد منازلهم قرب مجرى النيل في تلك المنطقة!! داخل حي الفتيحاب وتلاحظ «الأهرام اليوم» أن النيل دخل عبر لسان تعود أن يتمدد فيه كل عام لكنه اقترب الأيام الماضية كثيراً من بعض المنازل رغم وضع المواطنين المتاريس أمام منازلهم. وبينما ينذر الأمر بالخطر استغل البعض حالة الفيضان هنالك بصورة أخرى فقد أصبح النيل قبلة (لقيلة رمضانية) أما الصبية هنالك حول مربع (3) بالفتيحاب فقد ظلوا يتقافزون ويسبحون داخل الخيران الممتدة من النيل.. لكنه يُخشى أن تخلق وضعاً بيئياً متردياً. وداخل منطقة اللاماب بالخرطوم طوقت المياه المنازل مما أدى إلى خروج وتشرد الأهالي وسط توقع بحدوث خسائر في الممتلكات. الولايات لم تسلم وبالولايات وفي كسلا غمرت مياه نهر القاش العديد من المزارع رغم التحوطات التي تمّت من قبل السلطات إلا أن هذا النهر الموسمي الذي يتخطى مجراه في كل عام يتدفق أيضاً هذا العام. ومنطقة سنار التي ضربها الفيضان وخاصة منطقة (الليونة) ودمرت أكثر من (250) منزلاً أحدثت خراباً امتد إلى المناطق المجاورة وسط مخاوف الأهالي وترقب جهات الاختصاص وتضررت المدرسة الوحيدة بالمنطقة بسبب الانهيار. وفي شمال السودان تضرر أكثر من ستة آلاف فرد والخسارة التي أحدثها الفيضان لهذا العام فاقت كل التوقعات هنالك. هذا الوضع يجعلنا نطرح سؤالاً: أين التحوطات التي وضعتها لجان الطوارئ والجهات المسؤولة لتخفيف ودرء آثار الفيضان؟ ولماذا لا تضع الولايات خططاً لحماية المواقع المعروفة التي تتعرض سنوياً لهذا الضرر والمخاطر. فقد توقعت وزارة الري والموارد المائية منذ وقت مبكر ورود مياه إلى مجرى النيل الأزرق متسببة في زيادة عالية في مناسيب النيل إلى (20) سنتمتراً خلال الأيام القادمة الأمر الذي يصل معه بمنسوب النيل إلى مرحلة الفيضان. وأبانت وزارة الري أن البيانات الواردة من المحطات الرئيسية تشير إلى أن الحبس من الدمازين حتى عطبرة سيشهد ارتفاعاً ملحوظاً أما الحبس من عطبرة وخزان مروي وحتى دنقلا سيشهد استقراراً. وقال المهندس المجذوب مقرر لجنة المناسيب ل«الأهرام اليوم» إن اللجنة استعرضت الموقف المائي من الهضبة الإثيوبية وعلى طول مجرى النيل الأزرق والنيل الرئيسي ونهر عطبرة وأكد أن ارتفاع منسوب النيل عند الدويم سجل (12.75) متراً مقارنة بمنسوب الأيام السابقة البالغ (12.30) متراً بينما ارتفع عند الخرطوم وسجل (167) متراً مقارنة (15.87) متراً كما ارتفع منسوب عطبرة إلى (11.19) متراً مقارنة ب(10.76) متراً، منسوب أمس الأول ارتفع عند أبوحمد إلى (13.92) متراً بينما انخفض عند شندي وسجل (16.80) متراً مقارنة ب(17.02) وكذلك انخفض عند مروي إلى (15.74) متراً مقارنة (15.75) متراً أما في الدبة فقد سجل (11.50) متراً مقارنة (11.55) متراً وانخفض عند دنقلا وسجل (14.46) متراً مقارنة ب(14.53) متراً. أحياء تحت الخطر مدير الدفاع المدني بولاية الخرطوم اللواء عبد الله عمر الحسن أكد في وقت سابق أن المواطنين نظموا أنفسهم في فرق (نفير) لمراقبة الجسور وتمتينها وكشف عن الخروقات بعض الجسور التي تمّت معالجتها بالتنسيق مع الشؤون الهندسية وغرفة طوارئ بولاية الخرطوم، مبيناً أن هنالك (23) نقطة ارتكاز على امتداد النيل الأزرق والأبيض في حالة استعداد دائم لمواجهة كافة الطوارئ التي قد تحدث، مشيراً إلى أنه تم تجهيزها بالآليات والمعدات لعمليات الإنقاذ. وطالب الدفاع المدني بالحيطة والحذر خاصة الذين يقطنون بالقرب من النيل ومناطق الهشاشة ومن بينها منطقة الرميلة، اللاماب، ود عجيب، العزوزاب، التريعة، الكلاكلة القبة والقلعة، الشقيلاب، الصالحة، والقيعة، والخليلة، الفكي هاشم، الفتيحاب شرق مربع (3)، الحتانة التي سبق أن اجتاحتها الفياضانات في الأعوام السابقة ومنطقة الشيخ الطيب وسوبا وكل الأحياء الواقعة علي ضفاف النيل ونبّه إلى ضرورة مراقبة الخيران التي تمتد داخل الأحياء، مشيراً إلى خور أبوعنجة وأبوروف بأم درمان. وحذرت وزارة الري المواطنين في مناطق الزيادات وخاصة الحبس عند الدمازين سنجة سنار وطالبت السلطات المحلية والمواطنين على ضفاف النيل والمناطق المنخفضة بأخذ الحيطة والحذر حفاظاً على ممتلكاتهم وأرواحهم. في جولة ل«الأهرام اليوم» على شريط النيل الأزرق بشارع النيل التقت داخل المطعم العائم (نادروس) الذي يتبع إلى فندق كارفوري أكد المشرف أُبي عبد الرحمن أن الزوار والسياحة وحركة العمل تزداد مع زيادة الماء وقال إن زيادة المنسوب جاءت لصالح عملهم تماماً وهي تدعم سير السفينة لأن الماكينة كبيرة جداً وقال إن الزيادة أعطتها الحرية الكافية في التحرك داخل المياه وأضاف أن هنالك زيادة في عدد الرحلات النيلية، مشيراً إلى أن الرحلات قبل رمضان بيوم ازدادت وقال نظمنا في اليوم الواحد ثلاث رحلات تقدر بمبلغ مليون جنيه وتسع الرحلة (150) شخص وتصل جولة الرحلة إلى كوبري الحلفاية وتمر بجزيرة توتي وقال إن زيادة المنسوب تمثل بالنسبة لهم موسماً في تحريك الرحلات ومع رمضان تقل تلك الرحلات النهارية وتكثر الطلبات على وجبة الإفطار وتتم بالطلب والحجز إذا كان المطعم عائماً ومتحركاً أو ثابتاً وفي الأيام الاخيرة زاد المنسوب وارتفع حجم الماء مما أضر بالسياحة بسبب صعوبة عبور كوبري المك نمر وكوبري توتي لأن السفينة أصبحت تصطدم بروسية الكوبري. مقارنة وتوقع ومن جانبه التقينا بالعم محمد عجيب وهو سائق في النقل النهري وصاحب فكرة (كافيه) في البحر وقال ل«الأهرام اليوم» إن منسوب العام الماضي ارتفع ودخل إلى أطراف جزيرة توتي وحاولنا أن نترس ونحبس الموية حتى لا يتضرر المواطنون وتوقع زيادة عالية جداً تفوق منسوب العام الماضي توقع استمرارها خلال شهري أغسطس وسبتمبر وعلق قائلاً إن الزيادة في منسوب المياه تضر كثيراً بعملنا «لأن البابور ما بعدي الكباري». «الأهرام اليوم» في ذات الاتجاه التقت بصاحب العبارة «عروس الروض» الطيب عبد الوهاب وهو يقودها منذ (40) عاماً، فقال نحن نفرح لزيادة مناسيب النيل لأنها تسببت في زيادة الرحلات وأضاف أن العمل أصبح لا يتوقف خاصة رحلات الأجانب والسواح لأننا نسير مطمئنين من غير عواقب ومنظره يسر الروح وقال إن المناسيب أعلى من الأعوام الفائتة وكشف عن وجود (حفر) عميقة داخل النيل وقال لولا المنسوب لما استطعنا أن نبحر وأشار إلى أن بعض الأفراد يمتنعون عن السياحة هذا الأيام خوفاً من ارتفاع المنسوب ومن غدر البحر. وخلال جولة «الأهرام اليوم» التي امتدت للشارع بعدما اقترب كثيراً من ترتوار الأسفلت نلاحظ اكتظاظه في أوقات بعينها بغرض الاستمتاع بمنظره بجانب صيد الأسماك ولا يفسده سوى غسيل العربات وظهور أنواع غريبة وجديدة من الأسماك مع تدافع المياه. بعضهم قال رب ضارة نافعة؛ فقد انتفع منها الصيادون وخاصة في منطقة شرق الحتانة حيث تدافعت الأسماك على سطح وأطراف النيل بكميات كبيرة خاصة وأن بعض أنواع الأسماك لا يحتمل عكورة المياه والطين.