طردت الحكومة الأسبوع الماضى (5) من الموظفين التابعين للأمم المتحدة والصليب الأحمر من ولاية غرب دارفور بحجة مخالفتهم الصريحة لمقتضى التفويض الممنوح لمنظماتهم. واتهم المفوض العام للعون الإنساني بغرب دارفور محمد الحسن عواض، المفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بتوزيع أجهزة لكشف ما يوصف بأنه حالات اغتصاب ببعض مخيمات النازحين وقرى بالولاية، وقال إن المفوضية العليا لشؤون اللاجئين دفعت أموالاً لباحثين في وادي صالح بجبل مرة لجمع معلومات موجودة في مضابط الأجهزة المختصة، وأن الأجهزة الأمنية ضبطت استمارات يتم توزيعها من المنظمة الدولية للتغذية (الفاو) على النازحين في المعسكرات لتجميع توقيعات تحت إدارة الفاو ومن بين فقرات الاستمارة المطالبة بممارسة ضغط على السياسيين لإعلان أن هنالك مجاعة بالولاية، وأوضح أن اللجنة الدولية للصليب الأحمر زارت مناطق غير مسموح لها بزيارتها. ويأتي طرد الموظفين الدوليين بعد أقل من (7) أيام من توجيه رئيس الجمهورية المشير عمر البشير لدى مخاطبته لقاء النصرة الحاشد الذي نظمه أبناء دارفور بولاية الخرطوم بقاعة الصداقة السبت 7 أغسطس الماضى، لولاة دارفور بطرد المنظمات الإقليمية والدولية ووكالات ومؤسسات الأممالمتحدة والاتحاد الأفريقي وقوات يوناميد والمنظمات الطوعية والمؤسسات الرسمية وغير الرسمية فوراً حال تجاوزها حدود التفويض الذي جاءت من أجله للعمل بالسودان. ويرى مراقبون أن توجيهات رئيس الجمهورية كانت على خلفية الأزمة التى نشبت بين الحكومة والبعثة المشتركة من الأممالمتحدة والاتحاد الافريقى (يوناميد) بُعيد رفض الأخيرة تسليم (6) من عناصر حركة عبد الواحد محمد نور اتهموا من قبل حكومة جنوب دارفور بالتسبب في أحداث معسكر كلمة الأخيرة التى راح ضحيتها بحسب تقارير حكومة الولاية (16) وجرح (34) نازحاً، وأشاروا الى أن ذلك تدلل عليه تأكيدات البشير بأن معسكرات النازحين أرض سودانية تحت السلطة السودانية وأنه ليست هنالك أية سلطة في الدنيا بإمكانها منع السلطة في دارفور عن ممارسة حقها في تأمين المواطنين ومحاسبة المتفلتين والمجرمين الخارجين على القانون. سيناريو طرد الموظفين الدوليين ال( 5 ) لا يختلف كثيراً عن سيناريو إعلان رئيس الجمهورية طرد (10)منظمات أجنبية وحل اثنتين سودانيتين بتهمة مخالفة القوانين السودانية ودعم المحكمة الجنائية الدولية, الخميس 5 مارس 2009م بعد (24) ساعة من صدور مذكرة المحكمة الجنائية بحقه. وقال المفوض العام للعون الإنسانى في السودان، حسبو محمد عبد الرحمن، حينها إن بعضاً من المنظمات المطرودة ال(13) وقع اتفاقاً سرياً مع المحكمة الجنائية لدولية لتوفير معلومات وشهود زور وفبركة أفلام حول عمليات اغتصاب ممنهج في دارفور وأنها من دول هولندا وفرنسا وبريطانيا وأمريكا وهى من أصل (118) منظمة دولية عاملة. وتشابه مجريات حادثتيْ الطرد يوحي بأن الحكومة تحتفظ وتختزن تجاوزات المنظمات الإنسانية لتفويضها داخل ثلاجاتها لجهة استخدامها عند الحاجة، وربما خرجت من بين ثناياه حزمة من الأسئلة المُلحّة: هل كان توقيت قرار الطرد الأخير مناسباً لا سيما والبلاد تواجه أخطر المنعطفات فى مسيرتها من لدن استفتاء تقرير مصير جنوب السودان المزمع 9 يناير 2011م وأزمة دارفور، في وقت تحتاج فيه الخرطوم أكثر ما تحتاج فى تعاملها مع تلك الملفات كسب ود المنظمات الإنسانية وتحييدها ولو الى حين. وسؤال آخر هل تسعى الحكومة الى تعريف المنظمات الدولية بأنها لن تتوانى في طرد أي منها متى ما شاءت وفي أي وقت تشاء؟ أم أن للأمر علاقة بالمتهمين ال(6) الذين رفضت البعثة المشتركة (يوناميد) تسليمهم للحكومة؟ مما يضع السلوك في خانة وسيلة الضغط للقبول بتسليم المتهمين. الحكومة قطعت بأن قرارت الطرد التى اتخذتها السابقة واللاحقة لا علاقة لها بالعمل السياسي وإنما بالقوانين التى تحكم عمل تلك المنظمات وأنها تتخذ قراراتها وفق القرائن والتقارير المرفوعة من وزارة الشؤون الإنسانية بوصفها الجهة المسؤولة من مراقبة ومتابعة عمل المنظمات العاملة فى المجال الإنسانى، ورفضت ربط الأمر بالاستفتاء المزمع أو محاولة الضغط على اليوناميد لتسليم عناصر عبد الواحد محمد نور المتهمين بمهاجمة معسكر كلمة الشهر الفائت، وأكدت أنها تحتكم دائماً للتقارير التراكمية التى ترفع عن أداء المنظمات المعنية، وأنه إذا ما تبين لهم أن أياً من تلك المنظمات تخطت عملها الإنساني ومساعدة الحكومة فلن يتهاونوا فى طردها. وقال مستشار وزارة الإعلام، د. ربيع عبد العاطي ل(الأهرام اليوم) إذا ما اتضح من خلال المتابعة أن تلك المنظمات تجاوزت التفويض الممنوح لها وتبين أنها لا تحترم قوانين البلاد وتسعى للنيل من سيادتها وتهديد أمنها فلن يكون أمام الحكومة إلا طردها، مشيراً الى أن الخرطوم ليست فى حاجة لإظهار قوتها أو استغلال الأمر للضغط على المنظمات العاملة، وعلق: لا تستعرض الحكومة عضلاتها ولا تريد أن توضح للعالم أن لديها الإرادة لطرد تلك المنظمات التى جاءت بإرادة الخرطوم، مشيراً الى أنهم لن يسمحوا لها بتخريب وتشويه الحالة الأمنية. ولكن المحلل السياسى، الناشط فى شؤون دارفور، عبد الله آدم خاطر فى حديثه ل(الأهرام اليوم) لفت الى أن قرار طرد الموظفين ال(5) فى هذا التوقيت أمر يؤسف له لا سيما والبلاد تواجه ظروفاً دقيقة ممثلة فى الاستفتاء المزمع وأزمة دارفور، مشيراً الى أن اتهامات الحكومة لا تبدو متسقة مع روح الاتفاق بين الطرفين وأنها محاولة من الخرطوم لتفادي ما أسماه بقضية العدالة الانتقائية التي أوضح أنها مصطلح يطلق على كل الإجراءات التي تتم داخل وخارج السودان لمعالجة الاتهامات المختلفة، وأوضح أنه فى مثل هذه الظروف كان يتوجب على الحكومة التواصل مع المجتمع الدولى بدلاً عن التشاحن معه وقال: ما يحدث من طرد واختطافات يعقّد التعامل بين الطرفين والحكومة فى كثير من الأحيان والحكومة ليست بعيدة من عمليات الاختطافات التى تتم لبعض من المسؤولين الدوليين، وأضاف: صاحب العقل يميز. ويبدو أن حلقات مسلسل الشد والجذب بين الحكومة والمنظمات الإنسانية العاملة فى دارفور والمقدر عددها - بحسب تقارير وزارة الشوون الإنسانية - (118) لن تنتهى إلا بانتهاء أزمة دارفور التي يرى المسؤولون فى الخرطوم أن المنظمات الإنسانية الأجنبية ظلت تعمل على تأجيجها وفتح جبهات الصراع فيها بدلاً من المساعدة في لملمة أطرافها وإطفاء حريقها، ومما يغطي سماء الأزمة من غيوم وضبابية يصعب معها التوقع والتكهن، فإن وقتاً طويلاً سوف يمضي قبل أن يتمدد المواطن السوداني ليشاهد الحلقة الأخيرة من مسلسل أزمة دارفور وخروج ال(118) منظمة من الإقليم دون مذكرات طرد أو عمليات اختطاف أو اعتداءات على منسوبيها.