منذ قيام الدنيا، لم تتحول دجاجة إلى ديك، كما لم يتحول ديك إلى دجاجة ! الديوك ديوك، والدجاج دجاج. الديوك تؤذن، وتتشاجر، وتنتفش غرورا، والدجاج يذعن .. و(يركد) .. ويكاكي .. ويبيض ! لم أعرف دجاجة ما، ضبطت متلبسة بالتشبه بالديكة، كما لم أشهد ديكا، متشبها بدجاجة .. مهما بلغ حسنها وبهاؤها !! ومع ذلك، هناك (تلاطيش كلام) نسمعها أحيانا .. تشير لحالات غير عادية وسط الدجاج .. ذكورا وإناثا ! من ذلك مثلا .. التصرف المؤسف الذي يقدم عليه بعض الديوك، فيبيضون على طريقة الدجاج .. دون أدنى أدب .. أو حياء ! صحيح أن الديك يبيض مرة واحدة في العمر، وصحيح أن بيضته صغيرة الحجم .. لكنه والله فعل مخجل .. لجميع الذكور، وللديكة (الحمشة) على وجه الخصوص ! وللإنصاف، فلم أشاهد شخصيا أي ديك يبيض، وكل معلوماتي مستقاة من كلام الناس، الذين أضافوا استعارات شعبية لما يفعله الديوك، فحين يكتب شاعر قصيدة مذهلة .. ثم يصيبه العقم الشعري، يشير هؤلاء الناس لقصيدته بأنها (بيضة ديك) ! والمسألة تنطبق أيضا على مطربي الأغنية الواحدة، فحين يحدثون فرقعة هائلة بأغنية ما، ثم يتوارون عن المسرح، تصبح أغنيتهم الشهيرة (بيضة ديك) في ألسنة الناس ! تلاطيش الكلام .. ليست كلها سلبية، فقد روى لي أحدهم بأنه كان يربي دجاجة في بيته .. وكان للدجاجة كتاكيت صغار، يجوبون المنزل خلفها جيئة وذهابا، وينتشون بالحياة وقدومهم إليها. يقول الراوي : إن صقرا جارحا رصد الكتاكيت في المنزل، فبدأ يناور بسماء الدار، وظل يتابع بصبر تحركات الكتاكيت، وحين شعر بملاءمة الوقت .. انطلق كالصاروخ صوب أحدها .. وانقض عليه خطفا في لمح البصر. القصة لم تنته، فقد رصدت الدجاجة كما يقول الراوي الواقعة، وإذا بها تتناسى أنها دجاجة مهيضة الجناح، فخالفت قوانين الطبيعة، وانطلقت كالميج محلقة خلف الصقر، وارتفعت قرابة أربعة أمتار .. لتلحق بالقرصان .. وتدير معه معركة جوية سريعة وطاحنة .. انتهت بإفلات الصقر للكتكوت، وهروبه من الدجاجة الشرسة التي فاجأته بجسارتها، وضكارتها ! ولأن المعارك التي يديرها الكبار .. يكون ضحاياها دائما الصغار .. الذين لا مصلحة لهم في ما يجري، سقط الكتكوت مفارقا الحياة .. لكن الدجاجة لم تكترث كثيرا، فهي ليست متطورة في عواطفها الأموية مثل حيوانات أخرى، بل بدت راضية عن نفسها، بعد أن لقنت القرصان الطائر درسا لن ينساه، وبعد أن أثبتت أنها أشرس من الديك .. إذا جد الجد وحمي الوطيس !! الدجاج دجاج، والديوك ديوك، رغم كل تلاطيش الكلام !