الشكر أجزله للدكتورة عالمة الفضاء السودانية وداد محجوب بوكالة «ناسا» الفضائية الأمريكية. فقد أشاعت الطمأنينة في قلب كل وطني سوداني حادب على مستقبل بلاده ويستحق أن ينعم بكل خيرات أرضه وهي نعمة من الله سبحانه وتعالى. فقد أكدت الدكتورة عالمة الفضاء أن السودان سلة معادن العالم وأن السودان اكتشف المعادن بعد استعانته بعلوم الفضاء، وأضافت أنه بإمكان الدولة توظيف التكنولوجيا وعلوم الفضاء بأشكال عديدة. جاء هذا التأكيد في محاضرة «الناتو تكنولوجي» التي نظّمها مجلس الوزراء وجهاز المغتربين بالخرطوم يوم الاثنين الماضي. إنها إضافة كبرى إلى حقيقة أن السودان يملك من المقوِّمات ما يجعله سلة غذاء العالم. وكان آخر تأكيد لهذه الحقيقة ما جاء في مؤتمر كوبنهاجن منذ أشهر قليلة ماضية، والسؤال المثير للأسى هل يوجد في الكون دولة تملك مثلما يملك السودان من موارد طبيعية ولا ينعقد إجماع قواه السياسية على استثمار هذه الموارد ولو بالأظافر؟! وبدلاً من ذلك يضيّع سنوات طوال من عمره في صراعات ونزاعات كثيراً ما تبلغ حد إراقة الدماء وإزهاق أرواح بريئة؟ السؤال أكبر بما لا يُقاس من أن يُجاوب عليه فرد مهما ملك عقله من علم، أو حزب أو تحالف أحزاب أو مركز واحد أو أكثر من مركز دراسات إستراتيجية، فكل هؤلاء وأولئك لم يفلحوا حتى الآن في رسم خارطة للسودان متفق عليها للانتقال به من واقع التخلُّف الاقتصادي والاجتماعي إلى رحاب التقدُّم رغم ما حباه الله به من ثروات وموارد طبيعية لم يُستغل منها إلا النّذر اليسير، وهو بالطبع لا يكفي في تلبية احتياجات غالب أهل السودان. فهناك من يعيشون على اقتصاد الطبيعة وعلى رعي الماشية على امتداد الفيافي وهم في أسمال بالية وبعضهم حفاة يترحلون من مورد مياه وكلأ لآخر. وهناك الزارعون في «بلدات صغيرة» لا تُغني ولا تُسمن من جوع وعندما لا تجود السماء بنعمة المطر ييمِّمون وجوهم شطر عواصمالولايات ومُدنها بحثاً عن ما يقيم الأور . صحيح أن السودان عرف قيام المؤسسات الاقتصادية الحديثة والمدارس والمعاهد والجامعات، ولكن غالب شعب السودان يعاني من معاشه، وفي تعليم أبنائه، وفي علاج مرضاه، بل حتى في مياه الشرب إلخ. وهكذا إذا كان غالب أهل السودان يعانون هل هناك إحساس حقيقي من كافة النُّخب السياسية تجاه معاناة هذه الغالبية؟ تلك هي القضية فإذا توافر هذا الإحساس بصدق وبنوايا حسنة وبعزيمة تستهدف البناء والتغيير فلن تكون هناك معضلة في الوصول إلى إجماع قومي على رأس برنامجه لرسم خارطة لموارد السودان كافة وكيفية استثمارها كحل جذري يعلو على كل ما عداه. فهذا هو الدرس الأهم الذي ينبغي أن نستخلصه من تجارب شعوب حققت تقدُّمها ورفاهيتها واستقرارها لا بالصراع على السلطة والخلافات المذهبية ولكن بالوحدة من أجل البناء الاقتصادي والاجتماعي. فلماذا كانت مشكلة الجنوب ومشكلة دارفور وغيرهما إن لم يكن على رأس أسباب هذه المشاكل هو عجز الحركة السياسية عموماً عن الارتفاع إلى مستوى الإحساس العميق تجاه معاناة غالب أهل السودان كمسؤولية مقدمة ومن ثمّ الاجماع على معالجة هذه المعاناة لا بحلول جزئية هنا وهناك، ولا بشعارات فارغة، وإنّما بالتخطيط التنموي الشامل القائم على ركائز العدل الاجتماعي الذي يحد من نمو الفوارق الاجتماعية الصارخة والصريحة. سبق وأن أشرنا في هذا الحيز إلى احتمال تفجُّر قنبلة زمنية بين الشمال والجنوب حول تبعية «حفرة النحاس» المأمول أن يتم ترسيم حدود هذه المنطقة في سلام ووئام خاصة أن حفرة النحاس هي مكمن معدن اليورانيوم صانع الطاقة النووية وهو أخطر معدن يدور حوله الصراع في العالم وقائدة هذا الصراع أمريكا بالذات. تُرى هل تُدرك نُخبنا السياسية هذه الحقيقة وهي وحدها تكفي لوحدة القوى الساسية تحسُّباً لما قد ينجم من مخاطر لا تمس الحزب الحاكم وإنما تُهدد السودان في المقام الأول والأخير؟!. ليس بفنادق الخمسة والسبعة نجوم والأبراج التي تكاد تنطح السحاب يحارب الفقر، وإنما بالمشروعات الإنتاجية. وفي الخطة الاقتصادية مشروعات إنتاجية وبني تحتية هي الأجدر بأولوية الانجاز ولا داعي لإغراق البلاد في قروض وفوائدها وخدماتها على حساب المشروعات الإنتاجية والبني التحتية. تفي البلاد ما يكفي من فنادق وأبراج تجارية وبعضها عاطل الآن!!.