عرفتُ مؤخراً أن الأستاذ حاج علي نميري الشهير ب(أبي طراف) كان ناثراً وأن له كتاباً مخطوطاً اسمه «في النثر السياسي» وهو شاعر معروف صدرت له ثلاثة دواوين هي «الينابيع» صدر عام 1954م أيام الحكم الذاتي و«المناهل» في الستينيات و«الوجدان» عام 1984م. ولا تقتصر مكانة أبي طراف على كونه شاعراً مرموقاً ومعلِّماً مقتدراً للغة العربية تخرّجت على يديه أجيال وأجيال ممن أصبحوا مرموقين في مختلف المجالات، وإنما تتعداها إلى ما هو أبعد من ذلك. فقد كان أبو طراف النميري في صميم الحركة الوطنية، وكافح الاستعمار البريطاني بأشكال الكفاح السائدة في ذلك الوقت، كالتظاهر، وكافحه بالقصيدة، والخطابة والكتابة. وقد سُجِن أيام مناهضة الجمعية التشريعية في النصف الثاني من أربعينيات القرن الماضي وهي الجمعية التي قال عنها الزعيم إسماعيل الأزهري: لن ندخلها حتى لو جاءت مبرّأة من كل عيب. أين نجد ذلك الكتاب المخطوط الذي سطرّه الأستاذ أبو طراف وحمل اسم (في النثر السياسي) ولم يجد طريقه للمطبعة؟ إننا نرجو أن يدلُّنا المعنيون ومنهم أسرته على مكان هذا المخطوط المهم، ونثق أنه سوف يُطبع فوراً ذلك أن لأبي طراف قيمته الشعرية النثرية النضالية التاريخية التي تستحق. ويشجع على الطباعة أيضاً أن المسؤول عن الثقافة في السودان هو الوزير السموأل خلف الله وعنها في ولاية الخرطوم هو الوزير محمد عوض البارودي. وكان أبو طراف رغم فارق العمر صديقاً عزيزاً، يزورني هنا في البيت بالثورة بين وقت وآخر، وكان أحد معالم ولوازم ومألوفات عيدي الفطر والأضحى في بيتنا. وكان بطوله ونحافته وبساطته يلفت نظرك من الوهلة الأولى ثم سرعان ما تكتشف أنك أمام إنسان مُتخم بالكبرياء والشموخ والزهد والثقة في النفس وحب الآخرين، وكان الشعر أحد أهم محاور حياته، وفي اللقاء العابر معه كنتَ تسمع بعضه وكان هذا البعض من شعره هو من أشعار الآخرين. وأبو طراف من بيت أنصاري، ويُقال إن جده لأمّه الأمين أورناصر جُلد بأمر من حاكم السودان غردون باشا خمسمائة جلدة بعد أن ضُبط داخل الخرطوم متلبساً بالتجسس لصالح الإمام المهدي، والتجسس في مثل هذه الحالة شريف ووطني وعمل بطولي من الدرجة الأولى. لكنه لم ينضم لحزب الأمة وكان مستقلاً في تفكيره السياسي وإن كان أقرب في بعض المراحل إلى الفكرة الاتحادية في خطوطها العريضة أو في أساسياتها. وكان أبو طراف يحترم ويحب ويقدِّر الرئيس نميري الذي كان يبادله نفس المشاعر. وأذكر أنني قابلته يوم 6 أبريل 85 في شارع ود البصير بود نوباوي وكانت الهتافات بسقوط نميري تشق عنان السماء وكان أهله، على جانبي الشارع واجمين مذهولين! وقال لي معلّقاً على الهتافات: «سوف يندمون.. وسوف يعيدون تقييمه». رحم الله الشاعر الناثر المعلّم المناضل أستاذنا جميعاً أبا طراف النميري.