عاش معظم حياته على أمل اللقاء بمحبوبته، فقد تمناها زوجة له وأماً تكون عوضاً عن والدته التي توفيت وهو في أولى عتبات طريق الحياة. كانت (ش) هي كل حلم (أ) الذي يعيش على أمل تحقيقه. نشأ (أ) في أسرة فقيرة، وتحت رعاية والد قوي الشخصية والعزيمة وعلى قدر كبير من الأمانة يفضل الموت ألف مرة على أن تمتد يده لخزانة المؤسسة التي يعمل صرافاً بها. وهكذا مرت السنوات و(أ) يعاني الأمرين: الفقر الذي يحول بين زواجه من خطيبته (ش)، وعدم التحاقه بوظيفة تكفي لسد احتياجات أسرته التي تتكون من خمس بنات ووالد أنهكته السنون. لم يخفف هذا الحزن عليه إلا خطيبته وابنة جيرانه (ش).. وفجأة ظهر اسمه في لوحة إعلانات إحدى القوات النظامية التي قدم لها يائساً من الحصول على عمل بها، وبعد اجتياز التدريب والتأهيل وقع الاختيار عليه ليسافر إلى مناطق العمليات في ذلك الحين قبل توقيع اتفاقية السلام الشامل. سافر (أ) وفي عينيه نظرة حزينة فربما لن يشاهد محبوبته مرة أخرى، إلا أنه أخفى هواجسه عنها وأخبرها أن مأموريته لا تتجاوز بضعة أشهر فيعود بعدها ويتم الزواج بإذن الله. ولكن شاءت الأقدار أن يختفي (أ) في إحدى العمليات ضد قوات التمرد ويصبح في عداد المفقودين.. وقد أعيا أسرته وخطيبته (ش) الحزن والبكاء وعدم الأمل في رجوعه مرة أخرى، ولكن بعد مضي (5) سنوات عاد (أ) لأسرته وقص عليهم الظروف التي حالت دون عودته وفقدانه الوعي في إحدى العمليات وكيف أن أسرة هناك رعته كل تلك السنوات حتى عادت له ذاكرته وأرجعته لأهله.. وبعد رجوعه ذهب إلى منزل خطيبته على أمل اللقاء وتحديد موعد لزواجه منها خصوصاً بعد علمه بعدم زواجها حتى هذه اللحظة. وعند ذهابه وجدها قد تغيرت عما كانت عليه في الماضي وأخبرته أنها لن تتزوج منه وأن قصتها انتهت معه بفقدانه في مناطق الحروب.. وبعد سماعه لقولها طار صوابه وجن جنونه.. فما بال فتاته ترفضه بعد كل هذه السنوات؟ هل نسيت كل الحب والعلاقة البريئة التي كانت بينهما؟ وقد حاول إثناءها عن قرارها إلا أنها أصرت على التمسك به.. لكن ماذا عساه أن يفعل؟ أيتركها (لقمة) سائغة لتتزوج من آخر؟؟ لا.. لن يتركها. سيقتلها ويقتل نفسه، وقد أضمر في نفسه تنفيذ حكم الإعدام على محبوبته. في صبيحة ذلك اليوم ذهب (أ) إلى (ش) وأخبرها بأنه اقتنع بوجهة نظرها، ولكنه يريد أن يناقش معها بعض الأشياء الخاصة ويريد أن يلتقي بها في مكان لقائهما المعتاد في الماضي بالقرب من النيل. وبالفعل ذهبت معه إلى المكان المحدد وهناك حاول (أ) مرة أخرى إرجاعها عن قرارها إلا أنها رفضت وتمسكت برأيها.. وفي لحظة شيطان قوي قام (أ) بنزع (طرحة) خطيبته (ش) وقام بخنقها حتى لفظت أنفاسها الأخيرة، وبعد ذلك قام باستلال سكين من غمدها وقام بتقطيع جسم خطيبته إلى أجزاء صغيرة ثم وضعها في جوال وتركها بالقرب من النيل... أما ملابسها وأداة الجريمة فوضعها في جوال آخر وذهب به إلى إحدى بائعات الشاي وتركه عندها، ثم ذهب إلى منزله واستلقى على فراشه نائماً. وبعد أن جن الليل وأرخى الظلام سدوله ولم تعد (ش) لمنزلها طار صواب أهلها فذهبوا لمنزل (أ) وسألوه عن ابنتهم فأخبرهم بأنه تركها بالقرب من النيل.. وبالفعل ذهب أهلها إلى النيل ولم يجدوها بل وجدوا جولاً كبيراً على الشاطئ.. وبعد تفقد الجوال والاطلاع على محتوياته أغمي على والدة الفتاة وقام أهلها بإبلاغ الشرطة بما حدث واتهامهم ل (أ) بأنه وراء موتها. تم القبض على (أ) واعترف بارتكاب جريمته وأرشد إلى أداة الجريمة وملابس (ش) التي أودعها بائعة الشاي فألقي القبض عليها لكنها قالت إنها لا تعلم شيئاً عن محتوياته، وتم الإفراج عنها. وأصدر قاضي المحكمة حكمه بإعدام (أ) شنقاً حتى الموت خاصة بعد تسجيل اعترافه القضائي بارتكابه للحادثة وتمسك أولياء الدم بالقصاص. وبعد تحديد موعد الإعدام هاتف (أ) والده بأنه غير نادم على فعلته وأن (ش) تستحق ذلك، وطلب منه أن يعفو عنه وأن يحضر تنفيذ الحكم لتسلّم جثمانه.. وبالفعل حضر التنفيذ غالب أهل (ش) الذين حضروا لمشاهدة تنفيذ الحكم على قاتل ابنتهم بالإضافة لحضور أسرة المتهم ووالده لا يقوى على السير لمشاهدة ابنه في لحظاته الأخيرة.. أما (أ) فقد ألقى نظرة حزينة على أسرته وخاصة والده ولم يملك أن يكف دمعة حارة نزلت على خده قبل أن تقتاده الشرطة إلى منصة الإعدام وقد غطوا رأسه بقناع أسود. وتم تنفيذ حكم الإعدام بهدوء ليسدل الستار على أبشع جريمة قتل شهدتها تلك المدينة الهادئة.