يا سبحان الله! مرت الأيام دون أن نشعر، وذهب رمضان وذهبت معه أيام الرحمة والمغفرة والعتق من النار.. ذهبت معه صلاة القيام والسحور وبركته التي دعانا إليها سيد البشرية محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما قال «تسحروا فإن في السحور بركة» ولا يعرف مدى هذه البركة إلا الذين يتسحرون ويأمرون الناس بالسحور. وذهب رمضان الذي كان فرصة كبيرة لإزالة الغِل والحسد من نفوس الكثيرين، ذهب رمضان وليلة فيه خير من ألف شهر.. ليلة تتنزّل الملائكة والروح فيها. ذهب رمضان وجاء العيد.. ويا للفرحة الكبيرة بقدوم العيد السعيد بعد أن (ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله).. نتمنى أن يكون العيد فرصة للتآخي وزرع المحبة في نفوس الجميع.. كما نتمنى أن يكون فرصة لتصافي النفوس والمبادرة بالتسامح وغرس القيم النبيلة في نفوس المسلمين والعطف على الفقراء والمساكين واليتامى بأن نزرع الإبتسامة في نفوسهم.. فالرسول صلى الله عليه وسلم وُلد يتيماً ولكنه لن ينسى كما قال عندما يأتي العيد وهو صغير.. كانت إحدى نساء قريش تكفْف دموعه وتملأ جيوبه بالحلوى، فعندما توفيت وهو كان قد بُعث رسولاً حزن عليها حزناً شديداً وحكى لأصحابه تلك المواقف النبيلة التي بدرت منها. فاليتامى هم أولى (الناس) بأن نحتفل معهم بالعيد ونزيل الدموع من على خدودهم ونرسم الإبتسامة على شفاهم، ونقول لهم نحن كوالديكم تماماً.. فهذه الأشياء لن ينساها الصغار عندما يكبروا وستكون ديناً أو جميلاً عليهم، سيتذكرونها طال الزمن أو قصر كما تذكّر سيد البشرية تلك المرأة التي كانت تكفف دموعه وتملأ جيوبه بالحلوى عندما يجئ العيد وهو صغير ويتيم في ذات الوقت. فاليتامى خاصة الصغار منهم عندما يأتي العيد تجدهم أكثر الناس حزناً.. فهم بحاجة إلي من يقف بجوارهم ويلبسهم الجديد ويحسسهم بأن الدنيا مازالت بخير وأن الآخرة هي دار الخلود وكلنا ذاهبون. أقول هذا وفي خاطري تلك الرواية الحقيقية التي بطلها طفل في مرحلة الأساس عمره لم يتجاوز العشر سنوات.. توفيت والدته فحزن عليها حزناً شديداً بالرغم من صغر سنه.. كان يحكي لصديقه وزميله بالمدرسة ويقول له:«أنا ما بحب الجمعة والسبت» لأنهم إجازة وأنا أمي مافي ويقصد متوفية.. فهذه العبارة والكلمات تُقطِّع القلب!. فنتمنى من الله أن يُلهم هذا الطفل الصبر الجزيل.. فادعوا معي الله سبحانه وتعالى أن يهلمه الصبر الجميل ونحن نستقبل العيد السعيد وفي الخاطر أشياء شتى. منها البُعاد عن الأهل والعشرية التي اختارها الشعراء خاصة شعراء الشمال لتكون بداية لقصائدهم وهم يكتوون بنيران الغربة وهم بعيدين بعد أن جاء العيد.. ولعل الشاعر السر عثمان الطيب قد كتب معبّراً عن حالة سفر أهله وكان متابعاً لحركتهم وهم يستعدون للمغادرة عندما رصوا الهدوم في الشنط: اتذكرك يايمة يايمة ساعة الناس قالوا قايمين البلد رصوا الهديمات عدّلوا وركبوا اللواري وقبلوا شالو السلام أنا مني ليك إن شاء الله عندك يوصلوا ويواصل ويقول: اتذكرك يايمه يا يمه في الدُّغش النسايمو يهبهن قايمي الصباح متكفلتي وشايلي الحليلة على المراح حلبتي اللبن بانشراح والساعة ديك يادوب ديكنا بدا الصياح فكان أهل الشمال ينتظرون العيد بفارغ الصبر ويتوزعون في الشوارع لاستقبال الأبناء الذين يأتون باللواري وذلك قبيل طريق شريان الشمال حيث البصات السياحية الآن.. أيضاً يكون العيد فرصة لتأهيل الكثير من أبنائهم فالعيد هنالك له طعم خاص حيث تكثر فيه المناسبات السعيدة من زواج وغيره. فنتمنى من الله أن يأتي العيد القادم ونحن أكثر سعادة وأن يجدنا (تامين ولامين) لنقول كما قال الإعرابي الذي اعتاد أن يستحم في العيد فقط، قال والعيد قد تبقى له أسبوع.. قال (جانا العيد لبرودو)!.. والآن نحن نقول كذلك (جانا العيد لبرودو).