عندما يهل شهر رمضان وتكتمل رؤيته ويصوم الناس وفاءً لمقدمه.. فإن الجميع يختزل رمضان في افطار يحلل به الصائم عطشه وجوعه، وسحور يبدأ به الصائم بركة يومه، ووقت السحور كانت تتجلى فيه عظمة البسطاء من الناس عند اعداد السحور امتثالاً للحديث النبوي.. «الصحافة» القت نظرة على ماضي وحاضر السحور. وفي غابر الأيام عندما كانت الحياة تمضي هادئة وجميلة اختص الناس سحور رمضان بخصوصية لازمت حياتهم مع شهر رمضان، وكان الناس يجعلون الليل لباساً.. ولم تكن هناك اجهزة تلفاز او هواتف تستقطع من الناس اوقات الليل الثمينة التي لا تعوض، ويخلد الجميع الى النوم مبكراً، وعند ظهور نجمة الصباح المتلألئة تبدأ حركة ربات البيوت في الظهور وتلمع كوات «التكلة» بانوار لمبات الجاز لمن لم تصل امدادات الكهرباء اليهم او التنجستن الحمراء المتوهجة لمن يملك خدمة الكهرباء.. ورويدا رويدا يتناهى الى السمع حركة عواسة الكسرة والعصيدة والقراصة وتبدأ رائحة «قلية البن» تفوح في ارجاء الحي والمنطقة معلنة عن بدء اعداد جبنة السحور للأرباب البيوت وكبار السن، تلافياً ل «رمية الجبنة» التي تصيبهم في نهار رمضان. وتستذكر ام مهل عبد الله المرأة السبعينية ايام سحور رمضان، وتقول إنهن كن يساعدن امهاتهن في اعداد سحور رمضان بعواسة الكسرة والعصيدة، مشيرة إلى ان الجميع كان يحرص على تناول السحور، مؤكدة ايمانها بأن السحور احد شروط صحة الصوم، واشارت الى حرص أسرتها على تقديم السحور للضيوف والمعد من العصيدة بملاح الروب والرقاق باللبن، وتكشف أن وقت السحور كان أجمل الاوقات التي امضتها في حياتها، وتتحسر ام مهل على واقع السحور اليوم، مشيرة إلى أن أحفادها يتعشون بعد منتصف الليل ويسهرون الى الساعات الاولى من الصباح، مؤكدة انهم يضيعون بركة السحور. بينما يعطي بدر الدين مصطفى صورة مغايرة لسحور ايام زمان، ويقول إنه طيلة الثماني سنوات الماضية التي امضاها في الصوم لم يتسحر أبداً، مشيراً إلى انه ينام عند الساعة الثالثة صباحاً بعد أن يقضي الليل في السمر مع الاصدقاء ومشاهدة المسلسلات اليومية في الفضائيات، وأكد بدر الدين أن جميع أفراد أسرته لا يحفلون بالسحور، ولا يوجد من يستيقظ وقت السحور سوى أبيه ليشرب جرعة ماء. ومع التقدم التكنولوجي وأجهزة البث الفضائي وسهولة تملك الهواتف النقالة، بات معظم الناس في حركة دائمة اضاعت عليهم ادراك السحور بركة رمضان، ومع تسارع النمو الحضري ونمط الحياة العصرية بات الناس يميلون الى تناول السحور خارج منازلهم، حيث تقدم لهم سلاسل الفنادق والمطاعم السياحية وجبات السحور اليومية. على أن الأوضاع الاقتصادية الأخيرة التي فرضت على المواطنين ضرورة التوافق معها وخفض الميزانيات، قد تعيد الذين يتناولون السحور في الفنادق والمطاعم الى احضان مطباخهم التي شكت من طول غياب إعداد وجبة السحور.