كل فتاة هي بالفطرة كتلة متحركة من العواطف والمشاعر تبحث عن متنفس لها، وهو في الغالب يكون في صورة زوج وأبناء ومنزل مستقل، لهذا لا تستطيع أية فتاة أن تنكر أن أهم أهدافها في الحياة، مهما كانت درجة تعليمها ومكانتها العلمية أو الاجتماعية، هو تكوين أسرة تنعم في ظلها بالأمان والدفء وتمنحها السيادة والأولوية، ومن بين كل الألقاب التي يمكن لأية فتاة أن تحرزها طوال حياتها يبقى لقب (ماما) هو الأغلى والأعظم والأجمل. الآن، نلاحظ أن مجتمعنا بات يعاني من ارتفاع شديد في نسبة العنوسة، شعرت بذلك وأنا أكتشف أن العيد قد جاء دون أن يحمل إليَّ أية دعوة لحضور زفاف ما، بينما كان العيد في السابق موسماً للتزاوج لدرجة قد تجعلك مدعواً إلى أكثر من ست أو سبع زيجات طوال أيام العيد، وهذه العنوسة المستشرية، أو فلنقل تأدباً تأخر سن الزواج، تسبب العديد من التعقيدات والمشاكل الاجتماعية، وقد يرجع عدم الزواج إلى أمور خارجة عن إرادة الإنسان، أو إلى أي ظروف لا يد له فيها، ولكن هناك أيضاً بعض أولياء الأمور ممن يكونون سبباً في حرمان بناتهم من السعادة دون أن يتوقفوا قليلاً ليفكروا في معاناة هؤلاء البنات، وكل ذلك لأنهم بدلاً عن أن يؤثروا سعادتهن آثروا التمسك بتقاليد بالية أو وضع شروط صارمة لزواجهن. سيقول لي أحدكم إن الأحوال قد تبدلت، وأصبحت العديد من الأسر من المرونة بحيث تحاول توفيق الأوضاع بما يحقق لبناتهن الستر والسعادة، وسأقول إنه بالمقابل عادت العديد من العادات الضارة ومظاهر البذخ و(البوبار) لتسيطر على العديد من الزيجات وتؤثر في مستوى تفكير وتطلعات العديد من الأسر السودانية، لا سيما في وجود بعض أمهاتنا وأخواتنا المجبولات على التقليد الأعمى، اللائي يرين في تزويج بناتهن أو أبنائهن مجرد فرصة للتباهي والظهور و(قلب الهوبة) بابتكار العديد من التقاليع التي أصبحنا نسمع عنها، ابتداءً بالغرائب التي ترافق الشيلة، مروراً بفطور العريس وبدعه، وانتهاءً بمراسم الزفاف الأسطورية الخارجة من ألف ليلة وليلة، مع أمنياتنا لهم بحياة زوجية سعيدة نرجو ألا تنتهي قريباً بفضيحة ما، مثلما حدث مع صديقنا (العريس) العائد من الخليج محملاً بالغالي والنفيس ليقيم لعروسه المختارة على ذات مستواه الاجتماعي زفافاً أسطورياً متفقاً عليه، شاءت الأقدار أن نكون مدعوين إليه لنذهب في الزمان والمكان المحددين ونجد الصمت يطبق على جنبات (الصالة) الفاخرة وغيرنا تلفهم الحيرة، وبعد أن أجرينا اتصالاً هاتفياً قصيراً بصديقنا العريس لنستطلع الأمر، فاجأنا بضحكة ساخرة معتذراً عن إلغاء الزفاف راجياً منا تشريفه في منزل أهله لنقف على حقيقة الأمر المذهلة، إذ أن خلافاً عائلياً صغيراً حدث بين أهل العريس وأهل العروس حول قيمة الهدايا التي عادت بها (النسوان الجابن فطور العريس) ورأت أم العروس أنها لا تليق بمقامها ومقام ابنتها لأنها كانت عبارة عن ثياب توتل سويسري ولم تكن خواتم من الذهب الخالص كما كانت تعتقد، وكلمة هنا وكلمة هناك (والقسمة ما أدت)، و(بتكم عندكم)، بينما كانت (البنت) حينها في (الكوافير) مخضبة الأنامل تستعد للحفل البهيج بذلك الفنان الشاب ذائع الصيت، ليأتيها الخبر اليقين قبل ساعات من ليلة العمر بأن العريس (فركش) العرس، والسبب للأسف والدتها العزيزة. وبينما العروس تستسلم للإبرة المهدئة من فرط صدمتها؛ حاولنا جاهدين أن نوفق الأوضاع بين الجانبين وأنا أتحسر على الخسائر المادية (المهولة) أمامي التي كان بالإمكان أن تتكفل بتزويج خمس أو ست زيجات لأبناء الأسرة (الراضية) القنوعة، كل هذا والعريس (راكب رأس) وأهل العروس يتدللون على أساس أن ابنتهم ستجد (أحسن منو ألف مرة)!! وأنا حائرة حول المشاعر التي لا قيمة لها والفضيحة التي لم يتوقف عندها أحد، الحكاية التي ستكون سيرة على كل لسان لزمن طويل. إذن، كيف لا نعاني من العنوسة والانحراف ونحن لا نقدس مفهوم الزواج كما يجب ولا يزال بعضنا يراه تجارة أو وجاهة أو مظهراً اجتماعياً فحسب بعيداً عن السكن والمودة والرحمة والتكاثر وحفظ النوع والمسؤولية؟ ثم يبرز بعدها الدور الكبير الذي أصبح يلعبه (راجل المرا) في إنقاذ الوضع، وللحديث بقية. تلويح: العنوسة حالة اجتماعية لا ترتبط بعمر الفتاة فحسب، ولكن بفهم والديها أيضاً