في جريدة الدستور التي يرأس مجلس إدارتها رئيس حزب الوفد المليونير السيد البدوي شحاتة، عدد أمس الموافق 18 سبتمبر جاء أن الأستاذ محمد حسنين هيكل حكى في برنامجه (تجربة حياة) على قناة الجزيرة أنه قبل ثلاثة أيام من وفاة عبد الناصر كان هناك حوار بين عبد الناصر والرئيس الفلسطيني ياسر عرفات في جناح الزعيم المصري بفندق النيل هيلتون واحتد الحوار بينهما وتسبّب ذلك في ضيق عبدالناصر وبدا منفعلاً وإن كان حاول كتمان ذلك وقال ل«أبو عمار» إما ننزل غرفة الاجتماعات وتنهي المؤتمر ونفض الموضوع، أو نتكلم كلام جاد ونتفق!. وتابع هيكل: السادات لاحظ انفعال عبدالناصر فقال له: (يا ريس إنت محتاج فنجان قهوة وأنا حأعملهولك بأيدي). وبالفعل دخل السادات المطبخ المرفق بالجناح وصنع فنجاح قهوة لكنه أخرج محمد داؤود وهو رجل نوبي وكان مسؤولاً عن مطبخ الرئيس عبدالناصر. أخرجه من المطبخ. ويكمل هيكل: (عمل السادات هو فنجان القهوة وجابه بنفسه قدامي وشربه عبدالناصر). ونكتفي بهذا القدر من كلام الأستاذ هيكل الذي نشرته جريدة الدستور المصرية أمس نقلاً عن قناة الجزيرة. وقلنا ونعيد إن مكانة هيكل الكتابية الصحافية لا يختلف حولها اثنان، وهو في مجاليْ الكتابة والصحافة أستاذ بمعنى الكلمة، وربما كانت أستاذيته على مستوى الدنيا كلها وليس على مستوى العالم العربي وحده، ومعجبوه بالألوف وربما كان خصومه أيضاً. لكن الناس رغم ذلك يختلفون حول صدقيته، وحول دقته أو أمانته التاريخية. وفي السنوات الأخيرة بعد أن أصبح متكلماً أكثر منه كاتباً، فإنه فقد بعض سحره القديم فتفوقه الكتابي أو تفوقه كاتباً أسطع من تفوقه متحدثاً. وربما اكتشف السودانيون حتى غلاة المعجبين أنه ليس كل ما يقوله هيكل صحيحاً بعد حديث «المنقة الملغومة» التي أودت بحياة إمام الأنصار الراحل السيد الهادي المهدي. وهيكل إنسان له نصيبه من الضعف البشري يكره بلا أسباب مقنعة، ويحب كذلك ويأتي في مقدمة من يكرههم الرئيسان جعفر محمد نميري ومحمد أنور السادات. ونحن نعرف أن السادات حتى وفاة عبدالناصر عام 1970م كان يحبه ويحترمه ويثق ثقة عمياء في زعامته حتى أنه شاع وسط كثيرين أنه كان يُلقّب ب(البكاشي صح) فقد كان مطلق الولاء لعبدالناصر ولم يعترض قط على أي من سياساته وقراراته بعكس زملائه الآخرين في مجلس قيادة الثورة. ولكن أن يصل ولاء نائب رئيس الجمهورية الذي أذاع بصوته أول بيانات ثورة يوليو 52 إلى درجة أن يدخل المطبخ ليعمل القهوة بنفسه ثم يقدمها بيديه للرئيس عبدالناصر، فهذا مما يجدد اعتقادنا بأنه ليس كل ما يقوله هيكل يمكن أن يصدقه العقل. ثم نصرف النظر عمداً عن الإيحاء بأن عبدالناصر مات مسموماً وأن الذي سمّمه هو نائبه أنور السادات.