هاهنا نلتقي ونغني ونكتب هذا قليل ونسير ونهتف هذا قليل ونشق الطريق ونهجم هذا قليل ونغيّر هذى الوجوه ونجرف هذا الظلام قليل قليل «إنه الآن يعبر بين الحطام ويقول لأحلامه وخطاه، ليس هذا جديراً، ولا كافياً» وافترقنا سيكون لنا موعد آخر للكلام! (من ديوان كتاب القصائد الخمس للشاعر أدونيس) { ألا يصادفك أن تكره جزءاً من جسدك، يدك مثلاً التي لا تطاوعك على ضغط زناد الريموت كنترول لإطلاق رصاصة تغيير القناة على شاشة التلفاز رحمةً بك وبما تبقى من وطنك داخلك؟ أو عينك التي بلا حياء تتلصص بالنظر الى الأجساد والعري الخارج بجرأته عليها داخل منزلها العامر بالسكون؟ أو قلمك الذي يقف حائراً أبله لا يستطيع أن يسفر عن غضبه كما يجب لمجرد أنه يلتزم بقوانين الأدب السوداني الإعلامي الذي لم تلتزم به الفضائيات السودانية الكثيرة؟ { ألا تذهب أحياناً الى أعدائك بنفسك لتقيها شر المباغتة؟ ولكنك تقع في ذات حيرة هل أنت تخونك أم ماذا؟ وهو ذات السؤال وذات الحيرة التي سجلت بها قناة (قوون) هدفها القاتل في الدقيقة الخمسين من شوط مباراتها الفاصلة بين تأهلها سودانياً أو أن تقبع في وادٍ كما يهيمون بقية القنوات ويضللون. فبعد أن عبرت بتعب مقدر وجهود متواصلة ونجاح مسبوق فترة العدّة التجريبية للثلاثة أشهر قررت مغرورة أن تخلط ما شاءت من كوكتيلات البرامج في خلاط شهر رمضان الكريم وتسقينا له بحاجتنا الماسة لكل فيتامين وسكر سوداني خالص من نقص المناعة الإعلامية الذي أصابنا جراء تسمُّرنا أمام فتوحات الفضائيات الأخرى. فجلسنا نشاهد الأسئلة والحكايات والمداخلات والحوارات والوجوه الغبية تمشي على ثياب الضحك وتهز الرأس وتنوع وتلون الشعر (بفتح وكسر الشين معاً) كما كافة القنوات السودانية فلا تكون وحدها المشاترة! ولأننا نمشي بتكنيك خاص يكون (من ليس ضدي فهو معي) واصلت القناة في خلطاتها لتنتج لنا شربات فرح بمواصفات ومكونات إثيوبية خالصة، نشربه بذات الحاجة والسكوت مادامت الصفحات والأقلام تمجد في كل فتح فضائي علها تكسب تلفزة صحفية مباشرة فيها. { أما الأكثر غرابة من أن ترقص الراقصات ويقف كابلي خلفهنّ كمغنٍّ حزين، هو أن السيد وزير الاتصالات طاف على القنوات ووقف بنفسه على ذمة الأخبار على برامجها وما تقدمه وتعكسه من وجه السودان المشرف على هاوية سحيقة من اللا هوية الإعلامية! فهل مرت عليه هذه السهرة أم لم يقم بزيارة القنوات الخاصة واكتفى بالرسمية التابعة للدولة ببث مباشر أو تسجيل؟ هل لديه إدارات في وزارته تراقب شاشاتنا السودانية أم مشغولون بعروض تصديقات القنوات الإثيوبية/ السودانية الجديدة؟ { وليس جديداً أن تمارس الثقافات الأخرى سطوتها علينا ما دامت العقلية الإعلامية التي تدير شؤوننا تفكر بمبدأ المرفوض سوداني والمقبول أجنبي فهو يبعد الشبهات والمساءلات. ففي ذات إدارة للتلفزيون القومي رفضت المسلسلات السودانية ما لم تغطِ الممثلات شعورهنّ ونحورهنّ وقامت بعرض المسلسلات المصرية بالشعر المصري المجنون والنحور والأرجل البيضاء الجميلة. وفي ذات تسجيلات برامج رفضت إدارات التلفزيون تسجيل الرقصات الشعبية السودانية ما لم تتغطَ الراقصات تماماً درءاً للفتنة والشهوات، ثم قامت بكل تسامح ثقافي وتبادل رقصي بعرض الجسد الإثيوبي البارع في عيدية للشعب السوداني المحروم ورقصنّ كما الآلهة الإغريقية ذاك الزمان وهذا المكان! { ليس غريباً أن تشرع الأقلام الفنية في دفن الفن السوداني والمساعدة على دس المحافير من الشباب لينتهي الزمان والمكان السوداني وتفرد الصفحات لنجوم ونجمات العرب والغرب وإثيوبيا، فهو ما يطلبه المستمعون وهو ما يوزع وينشر القنوات والصفحات! وبعد كل هذا إذن ليس في الأمر عجب أن يتنازل برج من أبراج الثقافة الغنائية السودانية ويصبح بساطاً أحمر لأقدام الحبشيات يطأنه مترفقات في الرقص والوطء والسخرية من السودان وثوبه وثقافته الهشة التي لا يشرفهنّ ارتداؤها أو احترامها. وما دام سيكون هناك باقيا لذاك السهر لا تلاقي فيه عين المشاهد ما يضيق خلاقه أو يخلع له عراقيه.. أو ثوبها! وبالتأكيد سيبرر للسيد كابلي وبقيمة مادية بحتة فداحة ما اقترفته حنجرته ويداه في أغنياته وسنوات مجده الفني ولن يكون هذا جديراً ولا كافياً وبالتأكيد بعده لن يغيب عنها راضياً ولا بطل! { وما اقترفته قناة (قوون) ووزارة الاتصالات والثقافة وإدارة شؤون الأجانب بوزارة الداخلية ووزارة الخارجية، ما اقترفوه جميعاً في القليل المتبقي لنا من اللقيا والغناء والوجوه والطرائق والأحلام والكتابة والهتاف والكلام والوطن. { وهذا ليس كافياً لتأويل ما لم أستطع عليه صمتاً.