والله نحن بخير، بل وبألف خير، فكل أوجاعنا، وكوارثنا، وإحباطاتنا .. لم تجعلنا نبلغ ما بلغه كبار العالم .. من انهيار ! أمس .. فتحت عيني مثل قعر الفنجان المقلوب، وأنا أقرأ تقريرا يقول إنه في ألمانيا، يولد طفل من بين كل ثلاثة أطفال، من أم ... غير متزوجة!! حاجة تكسف والله ! فهؤلاء القوم لا توجد لديهم أسباب عنوسة، ولا مهور تقصم ظهر العريس، ولا تكاليف تجعل الشاب يهرب إيثارا للسلامة، ومع ذلك يفرون من الزواج، ويأخذون الأمور بنهاياتها .. ويتكاثرون .. من وراء ظهر المؤسسة الزواجية !! وألمانيا تعتبر في نعمة قياسا بغيرها، فأستونيا مثلا لا تعترف بالرقم الألماني، حيث تقول الإحصاءات إن 59% من أطفالها .. غير شرعيين !! طبعا الظاهرة لها وجهها الآخر، فالزواج في أوربا أصبح موضة قديمة، والذين يسيرون بأرجلهم نحو العش السعيد، يتناقصون عاما بعد آخر، فقد أعلن مكتب الإحصاءات الأوروبي (يوروستات) الخميس الماضي في لوكسومبورج، أن مكاتب السجل المدني سجلت العام قبل الماضي، 4,9 زيجة من بين كل ألف نسمة في الاتحاد الأوربي، في حين كان هذا المعدل عام 1990 بحدود 6,3 زيجة بين كل ألف نسمة ! المشكلة الأكبر أن الكثير من الدول الأوربية .. تعاني من تدني معدلات النمو السكاني، بما يعني أن رجالهم لم يعودوا مقتنعين بنسائهم، أو أن نساءهم لم يعدن مقتنعات برجالهن .. لا فرق ! طبعا في إفريقيا، وعالمنا العربي، والسودان أيضا، لا توجد الأرقام الدقيقة التي تشير لمعدلات النمو السكاني، ولو كانت هناك أرقام .. لافتقدت للدقة، لما يعانيه السكان .. خصوصا الأفارقة، من (مبيدات) للحياة البشرية، بدءا من الإيدز، ومرورا بالحروبات والمجاعات وعمليات النزوح، وانتهاء بالتلوث والفقر والافتقار للرعاية الطبية سواء للمواليد أو للأمهات. لكن ما تراه عيوننا، أن الناس تزيد، وأن الأحياء تنفجر بالزحام، وأظن أن الخرطوم بها خمسة عشر مليون ساكن، هذا على عكس الإحصاءات الرسمية التي لا تعترف بنصف هذا الرقم ! طبعا نحن لسنا ملائكة، ومجتمعنا يشهد حالات للأطفال غير الشرعيين، والمحظوظ منهم من يبقى على قيد الحياة، لكن مجتمعنا ليس وقحا لدرجة الاحتفاء بالظاهرة، أو التغاضي عنها اجتماعيا، ما جعلنا بعيدين والحمد لله من انتشار هذه المصائب لتأخذ شكل الظاهرة. لكن دوام الحال من المحال، والنار تنشب من مستصغر الشرر، ولسنا في معزل من عالم موبوء بالمصائب من كل لون، لذلك فالتغاضي عن العنوسة، والطناش عن عزوف الشباب عن الزواج، هو الخطوة الأولى .. نحو الهاوية السحيقة. سترك علينا .. يا رب !