أعلنت الحكومة السودانية، رسمياً، رفضها مقترحاً سابقاً للوسيط الدولي المشترك للأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي، جبريل باسولي، الذي خصصه لنقل رئيس حركة العدل والمساواة، خليل إبراهيم من العاصمة الليبية إلى مواقع حركته فى دارفور للتشاور معه تمهيداً لإلحاقه بالمفاوضات المزمع استئنافها فى الدوحة، وعللت ذلك بتحاشيها، قدر الإمكان، السعي فى اتجاه شخصنة حل الأزمة الدارفورية التى اندلعت منذ العام 2003م. الحكومة شددت فى الوقت نفسه على ضرورة أن يحلّق خليل الى الدوحة مباشرةً دون أي شرط أو قيد، فيما تمسك باسولى بضرورة إشراك جميع حاملي السلاح في المفاوضات ومواصلة الاتصالات برئيس حركة العدل من داخل دارفور ورئيس حركة تحرير السودان، عبد الواحد نور. وإن كان ثمة قراءة عميقة لهذا التعارض فإنها لا تشير لغير احتمالات بروز أزمة فى المستقبل القريب بين الطرفين وإن كانت حتى الآن فى طورها المكتوم طبقاً للمقربين من الملف الدارفوري. ومن شأن تلك الأزمة، إذا ما بدت، أن تنسف جهود السلام كليةً أو تحويلها، في أحسن الحالات، لمربع آخر أقل رحابةً مما فيه الآن. موقف الحكومة يتعارض، كليةً، مع رغبة باسولي الذي كان قد صرح بأنه سيطلب من السودان وليبيا وتشاد المساهمة في عودة خليل لدارفور، لكن يبدو أن رغبته وجدت معارضة من الخرطوم واصطدمت بِلاءات صلبة حتى أنه لم يثِر ما اقترحه سابقاً إبان لقائه فى الأسبوع الماضي مع مستشار رئيس الجمهورية والرجل الأول فى ملف دارفور الدكتور غازى صلاح. ومن الثابت فى تحليلات السياسيين أن باسولي، كوسيط دولي وإقليمي، أدرك أهمية مشاركة الرجلين في أية مفاوضات سلام قادمة وإلا ستكون هذه المفاوضات ناقصة، وأن نجاحها ينبني على إيجاد مخرج يمكّن خليل إبراهيم من العودة لدارفور ومنها للدوحة؛ نظراً للشرعية التي اكتسباها من ميدان القتال وجموع المواطنين الدارفوريين الذين أعلنوا، طواعيةً، التأييد المطلق للرجلين، مما يحتم فى نظرهم أهمية أن ترضخ الحكومة لقبول مقترح باسولي لتفكر بطريقة أخرى لوضع شروط أمام الرجلين تجعل من الصعب عليهما التنصل من أي التزام بدلاً من الامتناع المطلق والدخول في أزمة جديدة، ليس مع المجتمع الدولي فقط وإنما حتى مع الوسطاء الذين يبذلون جهوداً معقولة لحل أزمة دارفور. وما يصدر من نصح للحكومة من المراقبين فحواه أنه عليها أن تدرك قبل كل شيء أنها مجرد شريك في أزمة دارفور التي تتولاها عدة جهات داخلية وخارجية. فالوسيط دوره الأساسي أن ينشط بين جميع أطراف الأزمة وهذا يتطلب منه أن يصل الى جميع الأطراف أينما كانوا، من ثم يمارس صلاحياته فى تقديم الدعوة لأي منهم للمشاركة فى المفاوضات، ولكن من الواضح للمراقبين أن الحكومة تريد أن تختار لباسولي من يصل اليهم، وهي دوماً تؤكد أنها مع التفاوض لكنها في ذات للوقت تطرح إستراتيجية جديدة تقوم على توطين حل الأزمة وحصرها في المكونات الداخلية من برلمانيين دارفوريين وإدارات أهلية وغيرهم من أذرع الحل التي هي صنيعة حكومية صرفة، إلا من إشارات طفيفة للمكون الدولي، وصفها مجلس الوزراء فى جلسته الخميس الماضي بالغامضة، وذهب المجلس للمطالبة بتوضيحها بشكل أوسع حسب ما قال غازي للصحفيين عقب إجازتها، لتكون الحكومة قد قالت قولتها، والتفتت الى اجتماعها عقدته أمس الاثنينبالدوحة تمهيداً لاستئناف الحوار من حيث انتهى بلا خليل أو عبد الواحد نور، حيث أوضح المتحدث باسم الوفد الحكومي في الدوحة الدكتور عمر آدم رحمة طبقاً لإذاعة أم درمان أن الحكومة تأمل في استئناف المفاوضات من حيث انتهت الجولة السابقة، مشيراً الى إمكانية طي ملف المفاوضات خلال شهر واحد في حال استئنافها، مما يعنى أنها تريد أن يؤكد على ربطها حل أزمة دارفور بقضية استفتاء الجنوب. وعودٌ على بدء فإن الحكومة السودانية، التى فرغت لتوها من وضع وإجازة إستراتيجية جديدة لحل الأزمة، لا ترى في خليل أو عبد الواحد شريكين رئيسيين للسلام فى وجود بدائل جديدة للتفاوض أهمها حركة التحرير والعدالة بقيادة الدكتور التجاني السيسي، إضافةً الى مكونات المجتمع المدني من رجال الإدارة الأهلية والبرلمانيين الدارفوريين الذين علا صوتهم كممثلين شرعيين لسكان الإقليم منذ إعلان نتيجة انتخابات أبريل الماضى، بل ذهب أولئك البرلمانيون الى حد أبعد وأعلنوا حالةً من التماهي الكلي مع الحلول الحكومية، حيث كشف رئيس اللجنة البرلمانية الفرعية لحل أزمة دارفور، إبراهيم أبكر، عن جهود مكثفة يقومون بها في أوساط النازحين بغرض الترويج لإستراتيجية دارفور الجديدة التي تمّت إجازتها في مجلس الوزراء مؤخراً. واعتبر إبراهيم مساعي البرلمان الترويجية امتداداً لجهوده في حل أزمة الإقليم من الداخل، وأكد ل(الأهرام اليوم) عكوف اللجنة على تقديم تقرير موحّد لدورة البرلمان القادمة عن الجولة الميدانية التي نفذوها في ولايات دارفور الثلاث منذ أغسطس الماضي، وتعهد بدعم البرلمان لجهود العودة الطوعية للنازحين والضغط على الحكومة لتمليكهم أراضي سكنية وزراعية. لكن المراقبين لا يرون فى موقف الحكومة من مقترح باسولى إلا لعبا على الوقت، ويشيرون الى عدم تمكنها من دراسة الواقع الخارجي بصورة جيدة قبل أن تعلن رفضها لعودة خليل أو التعامل مع عبد الواحد، وذهب البعض الى أن الرجلين يشكلان أساساً مهماً لحل الأزمة وبدونهما سيكون السلام، الذي سيتم توقيعه مع العدالة والتحرير، جزئياً ليس إلا، ولن يختلف كثيراً عن اتفاق أبوجا الذي وقعه رئيس حركة تحرير السودان أركو مناوى، الذي ألمحت الحكومة نفسها الى أنه مجرد شخصنة للحل قالت إنها لن تفضي لشيء.