اعتادت الطالبة الصغيرة أن تستأذن معلمتها بعد الإنتهاء من الفسحة بدقائق قليلة بحجة الذهاب إلى الحمام، لم يستوقف هذا السلوك الغريب في البداية المعلمة، ولكن حينما كررته أثار ذلك فضولها فكانت تقول للطالبة الصغيرة: لماذا لا تقضين حاجتك أثناء الفسحة؟ فتقول أن الحاجة جاءت بعد الفسحة! المعلمة من جهتها فوتت القصة مرتين إلى ثلاث، لكنها عمدت في الرابعة إلى إعطاء الإذن للطالبة لكنها تبعتها خلسة كي تعرف ماذا تفعل، وكانت المفاجأة. كانت البنت الصغيرة تدور على سلال المهملات في ساحة المدرسة فتلتقط منها بقايا الطعام والبسكويت مما تتركه البنات. القصة من سنة مضت، لكنها لم تزل طازجة في ذهني، ساعدت على نكشها مرة أخرى، قصة أخرى تشابهها في المضمون، وتختلف في بعض التفاصيل، مديرة إحدى المدارس المشابهة قررت أن تعمل «كبسة» على طالباتها لمعرفة ما تحويه حقائبهن، أغلقت الصف فجأة دون سابق إنذار، وطلبت بحضور المرشدة ومعلمة الصف تفتيش كل الحقائب، وبدأت بهن واحدة واحدة، إلا طالبة تمسكت بعدم فتح حقيبتها، ما أثار الشكوك وأشعل الخيال، بعد إصرار المديرة على فتح الحقيبة، وتحت توسل وبكاء الطالبة، تم الاتفاق على فتحها بحضور المديرة فقط وفي غرفة الإدارة، وهكذا تم، كي تجد المديرة أن ما تحويه الحقيبة لم يكن غير «فضلات الطعام» الذي جمعته الطالبة من مخلفات الطالبات من بقايا السندويشات والشيبس! في القصة الأولى، سألت المعلمة الطالبة عن سلوك غريب، إذ أنها كانت تأكل جزءا مما تجمع، ثم تدخر البعض الآخر في الحقيبة، قالت الطالبة بعينين دامعتين، شاركتها فيها معلمتها: آكل ما تيسر لي، ثم أدخر الباقي لإخوتي في البيت، لأنهم لا يجدون ما يأكلونه. لا أريد أن أتفلسف وأعلق، ففي تفاصيل هاتين القصتين مادة غزيرة للحديث لعناية خطباء المساجد والمصلحين الاجتماعيين وأصحاب النظريات الاقتصادية وخطط التنمية ومكافحة الفقر، بين يدي قمة العالم لمواجهة تحديات الألفية المنعقدة في الأممالمتحدة،. حلمي الأسمر