{ قبل الاستفتاء لا بد أن تكون كافة التفاصيل واضحة وحاضرة بدءاً بالحدود والديون الخارجية وانتهاءً بالمواطنة للجنوبيين في حال الانفصال وهل ستكون متاحة لهم في دولة الشمال أم أن الدولة المرتقبة تتحمل مسؤولياتها تجاههم عندما يبدأ زحف أكثر من ثلاثة ملايين جنوبي نحو الجنوب. ويجب أن تشمل التفاصيل الفترة الانتقالية التي يسمح فيها للجنوبيين بالشمال والشماليين في الجنوب بتوفيق أوضاعهم قبل العودة إلى الجذور. { حديث وزير الإعلام السيد كمال عبيد مؤخراً حول هذه الجزئية الذي كشف فيه عن الترتيبات التي سيتم اتباعها في حالة الانفصال، وقد قال إن الجنوبيين سيفقدون المواطنة في حالة الانفصال وهذا حديث مهم بالذات قبل الدخول في عملية الاستفتاء وأحسب أنه جاء موفقاً وستكسب الوحدة بسببه أصواتاً مقدرة لا سيما أن هناك تضليلاً واسعاً داخل الأوساط الجنوبية في الشمال والجنوب حول الجنسية المزدوجة وأن جنوبيي الشمال لهم الخيار في اختيار الدولة التي يرغبون في العيش فيها في حالة الانفصال بالإضافة إلى حديث كثيف تتناقله الأوساط الجنوبية يقلل من أهمية القرار الذي سيتخذه الفرد في الاستفتاء القادم وكأن الصوت هنا مثل تلك الأصوات الانتخابية، لن يغير في حياتهم شيئاً، فقط هو يمنح الجنوب فرصة قيام دولة مع احتفاظهم بكافة المزايا التي يتمتعون بها في ظل الوضع القائم. { نأمل أن يطَّلع المستفتى الجنوبي على كافة التفاصيل وما يمكن أن يكسبه أو يخسره في حالتي الوحدة والانفصال وهذا حق جوهري لا يقوم الإستفتاء بدونه وإلا كان معيباً وهذه دعوة لمنظمات المجتمع المدني لتصمم استمارة تحوي المكاسب والخسائر التي يمكن أن يجنيها المستفتى الجنوبي في حالتي الوحدة والانفصال وأن تكتب بلغة واضحة ومفهومة وبسيطة وتلحق بها رسومات تعمق الفهم وتكون لها قدرة كبيرة في الإيضاح والإبداع ومن ثم تطرح هذه الاستمارات بكثافة على الجنوبيين ليختار الواحد منهم وهو مدرك تماماً للنتائج. { الاستقرار مربوط بحسم كافة المسائل قبل الشروع في الاستفتاء بما في ذلك عقبات أبيي والتداعيات التي يمكن أن تحدث بالذات في حالة الانفصال ويجب أن يعرف كل طرف ما له وما عليه وكل فرد كذلك يجب أن يكون ملماً بما أشرنا إليه آنفاً وعلى ولايات التماس وولاية الخرطوم أن تتوقع أسوأ الاحتمالات وتعمل على مواجهتها بالخطط والترتيبات الأمنية والعسكرية الكفيلة بحسم أي تفلت قد يظهر هنا أو هناك. { الاستفتاء هو آخر محطات اتفاقية السلام الشامل وآخر الاختبارات لقدرة الدولة السودانية في مواجهة التحديات الكبيرة التي خاضتها في إطار تنفيذ الاتفاقية من تحول ديمقراطي وانتخابات كان الناس يتخوفون من حدوث اضطرابات وعنف مشابه لما حدث في كينيا وإيران ولكن بحمد الله مرت كل هذه الاختبارات بسلام وقد خيبت توقعات أعداء أمتنا والمشفقين على السواء، وهذا لا يعني أن الاستفتاء سيمر مثل مثيلاته وهذا الأرجح ولكن لا بد من الحيطة والحذر والبناء على النجاحات السابقة لأجهزتنا الأمنية والسياسية لمواجهة الاختبار الأخير. { العقلانية وحدها هي التي يمكن أن تساعد على تجاوز كافة العقبات وهذا ما يدفع الطرفين نحو مصالحهما الحقيقية بعيداً عن المناورات السياسية التي ولى زمانها ونحن الآن أمام محددات معينة تتطلب قراراً صريحاً وعاجلاً لا سيما أن الوقت بدأ ينفد وأن الضغط الخارجي لن يحل معضلة وسيخسر من يعول عليه فالمختلف عليه لن يستقر حاله إلا برضا الطرفين ومخاطبة جذوره على الأرض، والعدل في قسمته، فهي حقوق لمواطنين وكفى..