ذات نهار بحثي تعثّرت على جملته بالغة الأهمية، فيما لم أكن أبحث عنها هناك، فقد كان الأمر يخص إلى حد ما أمر بيوت الزراعة المحمية ، فإذا به يقول - د. (محمد السباعي ) المدير العام لشركة انبات الزراعية - ( ده انتو لو زرعتو الزلط حينبّت!) كناية بخبرته عمّا حبانا به الله تعالى من أرض نجهل قيمتها الزراعية ومدى خصوبتها الطارحة - بلا جهد جهيد - أطيب الثمرات وأفضل المحاصيل وأشهى الوجبات! وما وجب ذكره هنا أن تلكم الشركة بكامل العقول العلمية في الزراعة والثروة الحيوانية والري لم تبرع فقط في ما تعلق بأمر بيوت الزراعة المحمية بل تعدته إلى الخطوط الخضراء لزراعة ممنوعات المحاصيل داخل ولاية الخرطوم التي كانت كولاية تحصل عليها من ولايات أخرى، بحجة أن تربة الولاية لا تصلح لزراعة الفول السوداني مثلاً! هذا بجانب أنهم شرعوا في توفيق أوضاع كثير من الأراضي المهملة بالزراعة أو مشاريع الدواجن أو الأبقار إلى آخر السلسلة الغذائية التي تكفل أن نأكل مما نزرع.! والسيد ( د.عبد الحليم المتعافي) وزير الزراعة يصرح عبر تلفزيون السودان وتنقله القنوات الأخرى بجانب الصحف، أن هناك فتحا جديدا في مجال الاستثمار الزراعي في السودان بتوقيع عقود جديدة مع شركة القلعة المصرية، وقد أضاف السيد الوزير: (إن الشراكة بيننا ستكون بالمدخلات الزراعية من شركة القلعة المصرية، ونحن طبعا بالأرض والمياه!) أما الأرض فتكون بموجب عقود إيجار طويلة الأجل أو مؤبدة تصل إلى الخمسة وعشرين عاماً، شاملة الري أو المياه. والمدخلات الزراعية المعنية تكون في أصل الأسمدة والبذور والتقاوي الطبيعية والمحسنة.. الخ، وتعنى بشكل أهم بزيادة إنتاج السكر والذرة والقمح ومحصول عباد الشمس، لتغطية السوق المحلي أولاً والإقليمي لاحقاً - وربما العالمي في المدى البعيد - واضعين في الاعتبار الزيادة السكانية العالية والتوسع في سوق الأغذية والمحاصيل عالميا. وشركة القلعة العاملة بجانب الزراعة في مجال النفط والتنقيب عن الذهب تسعى بذلك إلى توسيع نشاطها الأستثماري في السودان بورقة رابحة جدا هي الزراعة التي كانت حتى أوان التسعينات القريب هي دعامة الاقتصاد السوداني. فالخبرة المصرية المعروفة بفكرة الإصلاح الزراعي المبتدئ في مصر منذ نهاية السبعينات من القرن الماضي، الذي ضمن لسنوات تغطية السوق المحلي هناك بما يكفي لسد حاجة السكان المتزايدة من محاصيل بعينها واستزراع الأراضي التي كانت تصنف ( بور) وغير صالحة للزراعة، بل ابتكار تربة متنقلة تصلح لزراعة حاجات الأسرة المصرية من يومي الخضروات والبقوليات بزراعتها على السطوح والباحات الخلفية للمنازل الكبيرة - وجميعنا شاهدنا الأفلام والمسلسلات التي كانت رسائل موجزة أو مستفيضة لفكرة الدولة آنذاك وربما آخرها فيلم مطب صناعي - هذه الخبرة العلمية والعملية لن يفوتها أبداً مدى صلاحية التربة السودانية الطبيعية في زراعة ما يكفي من غذاء للعالم العربي بأكمله، بجانب ما استجد من شؤون سياسية وأزمات جعلت كثيراً من العقول المتفتحة ترى الحلول (المابعديّة) ولسنوات عشرينية قادمة لتلك الأزمة - وفي أزمة القمح العالمية أكبر دليل على ذلك! - مما يجعل الأستثمار والمراهنة على هذه التربة وما ستنتجه ناجحاً بنسبة مئتين في المية. لذلك فإن الانفتاح الأستثماري في مجال الزراعة بهذه الأرقام الخرافية ليس شيئا مدهشا للخبراء القارئين لمستقبل الزراعة باعتبارها الأصيل في اقتصاد دولة لديها البنيات الأساسية لإنجاحها وليس بالضرورة أن تكون البديل رقم ثلاثة أو أربعة بعد البترول والذهب والموارد الأخرى. خاصة إذا وضعنا في مقدمة الذاكرة والعين أن ثلث سكان السودان هم (مزارعية) لكن قبل ديون البنوك وقوانين التمليك.. الخ! إنها فكرة كبيرة ومميزة أن تكون يد مصر فوق أيدي السودان لذات أمر وحدة وادي النيل القديمة ولأمر تقسيمات مياهه الجديدة ونصيب كل بلد منه ولصالح أن تنفذ لنا العقول والخبرات المصرية في مجال النهضة الزراعية والاستصلاح الزراعي وإنتاج المحاصيل، ما عجزت عنه طاقات المزارعين بخبرتهم الفطرية أو العقول العلمية للخبراء الزراعيين في السودان وما انكمشت عنه الاستثمارات ورؤوس الأموال الوطنية - المعنية بالأستثمار في الماركات العالمية من الأزياء والمطاعم! - وما قلّصته قوانين الدولة من عمل وصلاحيات وزارة الزراعة. وهي بالتأكيد ستكون نتيجة باهرة تفرح الوزارة السودانية مرتين بتوفير محاصيل الحاجة الغذائية في السوق الداخلية وسد الفجوة الزراعية باستثمار كم الأراضي والمياه المهمل - حسناً وبالضرورة وجوب نشر أخبار الوزارة على الخطوط الأولى للصحف كما أشار الاستاذ أبشر الصائم - وتفرح الشركة المصرية المستثمرة مرات كثيرة بارتفاع نسبة أرباحها المئوية ونجاح إنتاجها الزراعي وتحقيق أحلامها التي تبدو حاليا بسيطة بسد حاجة السوق المحلي فقط، لكنهم يعرفون هناك في مصر أن كل فكرة كي تنجح وتكون عظيمة يجب عليك (ما تستبسطهاش) كما هو حال الزراعة في السودان!.