كلما كثرت (الحليفة) .. كثر الكذب ! المسألة مجرد ملاحظة، وهي لا تحتاج عبقرية لإدراكها، فمعظم المعروفين بكثرة حليفتهم، معروفون أيضا بكثرة كذبهم ! لماذا يلجأ الناس إلى الحلف في كل صغيرة وكبيرة ؟ فالأصل أن الناس صادقون فيما يقولون، صحيح أن الدنيا انقلبت، وأن الكذب أصبح سيد الساحة، وأن هناك (احترافا) في هذا المجال، لم يستثن الصغير والكبير، والبسيط والخبير، والشاطر و(العوير)!! كل ذلك صحيح، لكن الأمور العادية، مثل الشراء والبيع، وسرد القصص العادية، والاعتذار أو اللوم البسيط .. جميعها لا تستدعي الحلف بأغلظ الأيمان، لأنها مما يمكن تصديقه، طالما ليس هناك ما يشكك فيها أو يبعث الريبة حيالها ! والعجيب، أنه كلما ارتفعت الأصوات عاليا بالحليفة، كانت الكذبة أكبر، كما يحكى أن لصا طلب منه أن يحلف على براءته، فقال لنفسه : جاءك الفرج أيها المحظوظ ! كثرة الحلف تميت القلوب، وتقتل رهبة القسم في النفس، وتجعل الضمائر في حالة نوم، وفوق ذلك تهز مصداقية الحديث، حتى لو كان ما يتم سرده صادقا مائة في المائة. على عكس ما سبق، يعرف الصادقون بقلة لجوئهم للحلف، فما يقولونه لا يحتاج كذبا لتمريره، أما إذا أقسموا على ما يقولون، فكلامهم يصبح قاطعا لا مجال للتشكيك فيه أبدا. أحد معارفي لا يكتفي بالحلف في كل صغيرة وكبيرة، بل يصر على الحلف بالطلاق، وفي أمور لا يجب قط أن يزج فيها بعلاقته الزوجية. وقد لاحظت أن كل (حليفته) لم تعضد صدقيته، فالجميع يعرفون كذبه ! صديق ساخر قال ذات مرة : لو تم تنفيذ الطلاق عقب الحليفة الكاذبة به، لما بقيت زيجة مستمرة (بالحلال) إلا النادر القليل !! وكثرة الكذب سبب رئيس في كثرة الحلف، والناس أصبحوا يتشككون في كل ما يسمعون، بدءا مما يسمعونه من أهل السياسة، وانتهاء بما تتناقله وسائط الإعلام من كل جنس ونوع ! لذلك، أصبح الكثيرون يحكمون على كل الأشياء بأنها أكاذيب، إلى ان يأتي الدليل القاطع على صدقها، فيلجأ الناس للحليفة، تقوية لما يقولون، وتأكيدا على صدق ما ينقلون ! العجيب، أن الكثير من الرجال يتهمون النساء بالكذب، ويصرون على ان حواء هي الأكثر كذبا، وأنها الأكثر (حليفة) لتقوية كذبها، ويشير آخرون إلى أن أقوى ما تمرر به النساء أكاذيبهن .. حليفتهن .. ودموعهن ! بصراحة .. لا أريد التورط في الانحياز لهذا الرأي، فلا أملك دليلا على التفوق الأنثوي في الكذب ، خصوصا وأن معظم الذين جرعوني من أكاذيبهم، كانوا ذكورا بكامل أشنابهم وذقونهم، ولم تردعهم مظاهر الرجولة الخارجية من الخداع .. وحليفة الطلاق الفالصو .. دون خوف أو وجل !! لكن ما أعرفه، أن الصدق مطمح كل الناس، وحتى من يحترفون الكذب، يسعون لتربية أبنائهم على الصدق، ويزجرونهم إذا كذبوا، لكن المشكلة في انحياز أولئك للصدق كقيمة، في حين يفتقدونه كقدوة لأبنائهم، فينشأ الفتيان وهم يرون آباءهم يكذبون، فلا يجدون طريقا سوى السير فيما سار فيه آباؤهم .. عملا لا قولا ! أصدقوا .. تصحّوا !