هذه الرسالة وصلتني من داخل السجن ومن أحد النزلاء، وهي موجهة للسيد رئيس الجمهورية. { أكتب اليوم كتاباً أتمنى أن يجد حظه في الوصول إليكم لعلمي التام ويقيني بأن ميزان العدل قائم عندكم ما لم يحل بينكم ومظالم العباد حاجب سوء لا تعلمونه والله يعلمه. إن سعيكم إلى بسط العدالة بين الناس وبث الطمأنينة فيهم خشية لله عز وجل أمر معلوم، ولا أدل وأبلغ عليه من عدم خضوعكم لقوى البغي والطاغوت أعوان الشيطان، رغم تربصها بك لإثنائك عما أنت عليه. ولكنما آثرتم ابتلاء الرحمن طمعاً في رحمته وجنات عرضها السماوات والأرض أعدت للصابرين أعانكم الله. إن كان الله أعزنا بأن جعلنا مسلمين وبعث لنا نبياً رحمة للعالمين سنَّ السنن وعبَّد الطريق وتركنا على محجة بيضاء لا يزيغ عنها إلا هالك. فلماذا نستبدل الذي هو أقوم بالذي هو معوج؟ «لا ضرر ولا ضرار» كلمتان بسيطتان قام عليهما المجتمع المسلم في سلوكه وقضائه ومعاملاته. أخي الرئيس: إننا نعيش مأساة عظيمة، نزلاء الحق الخاص «البقاء لحين السداد». وأكتب الآن لفخامتكم بكل حياء عن هذه الكارثة العظيمة لإدراكي بأن هناك من اكتوى بفقدان ماله ويرجو أن يكون خاتمة هذا الحبس رد ما لديه من مال عند المحبوس. أقولها صادقاً ليس كل من استدان كان حسن النية وكذلك بعض المقرضين «ورحم الله رجلاً سمحاً إذا باع وإذا اشترى وإذا اقتضى». فرق كبير وبون شاسع بين من اقترض لغرض تجاري مباح حلال لم تحرِّمه شريعة أو دين وبين من اقترض لسفاهة أو لإتلاف مال الآخرين. رغم كل ذلك فالمجتمع أمام القانون سواء، فقرات منصوصات ومواد مكتوبات تتلى على المدين وختامها الحبس لحين السداد، ولذلك لم ينج منها أحد من شرائح المجتمع، رجال أعمال، أطباء، مهندسين، مقاولين، ضباطاً، جنوداً، عمالاً، قانونيين، أساتذة.. نعم كل من ذكرت وأكثر، ولم لا فإنهم تعاملوا في أمر مباح لم يكن معظمهم ليدرك أن النهاية ستكون هكذا. نعم لقد عجزوا عن السداد وهم أحرار طلقاء وأمروا به اليوم وقد كبلت الأقدام وقيدت الأيدي وحرمت الحركة ومنعوا من السعي الذي هو أساس كل مطلب وعمل وهو أمر رباني لا جدال. ثم هل عرف عن التجارة غير أمرين إما ربح أو خسارة؟ إن أكل أموال الناس بالباطل مفسدة تستحق التقويم، ولكن كبرى المفاسد، أن لا نفرق في الاقتراض بين الباطل وضده حيث أن العقوبة على المدين في واقع الأمر غالباً ما تكون على أسرته بكاملها وما أدراك لو كانت كذلك فلن أتحدث عن هذا الأمر بإسهاب فوالله ستزرف دموع وتدمى قلوب ما لم يكن الله قد ختم عليها بخاتم القساوة. أخي الرئيس: إن العقوبة على هذا النحو لهي أشد إيلاماً وأغور جرحاً ليس علينا نحن المحبوسين وليتها كانت كذلك بل على زوجات صرن كالأرامل وأبناء كاليتامى وأمهات وآباء أصابهم الغم لأنهم جميعاً أصابتهم المأساة أما المدين وبالحساب المادي فيجد الرعاية الكاملة من الدولة ممثلة في إدارة السجون. إطعام وعلاج وإيواء، كل هذه الأشياء تقدمها إدارة السجون ولكن ماذا يحدث في المقابل للأسر التي هي أساس المجتمع الصالح والمعافى؟ جوع، تشرد، وأمور أخرى كثيرة قد ابتلى الله بها البعض نتاجاً لما حدث أعجز تماماً عن ذكرها أو حتى التفوه بها. أخي الرئيس: رغم المحنة العظيمة والمعاناة القاسية كان وما زال قلب معظم هؤلاء معك وبكل الصدق وأنا أشهد الله على ذلك لما رأيت من مواقف ولمست من مشاعر ضد المتربصين بك وبالبلاد. ومواقف أخرى قد شهدها عدد من الدستوريين والسياسيين. وأدلل على ذلك بانفعال الأخ الأستاذ محمد الحسن الأمين، والأخ معتمد بحري، والأخ خضر موسى في يوم التنديد بالمحكمة (الجنائية) ومدعيها أوكامبو، وقد تحدثوا معبرين ومندهشين لهذه المشاعر والمواقف التي حينها تشفعهم لنا عندك إلا أنني آنذاك قد تحدثت نيابة عن إخواني النزلاء رافضاً لهذا التشفع لأننا كنا وما زلنا لا نستطيع الامتنان عليك بشيء وقد قدمت أشياء وأشياء أجلّها روحك بين يديك فداء لنا بلا تخاذل أو انكسار أعانكم الله. إلى درب العلا تمضي وفياً في الدجى ٭٭ لتحيي سنة الهادي بتقوى الله في الناس أخي الرئيس: كم من مشروع أو مؤسسة أو شركة عامة أو مشتركة خسرت وما زالت تعاني؟ الأمثلة عندي العشرات فإن كانت كل هذه المؤسسات مدعومة منكم محمية بكم فها نحن اليوم من بعد الله سبحانه وتعالى نحتمي بك فماذا أنت فاعل بنا؟ أدرك جيداً أنني صغت مقالتي بكثير من العاطفة التي لا تجدي مع من ينادون بقوة القانون لحماية الاقتصاد وهم لا يدركون من يحمي من ومن يحتمي ممن. وأضم صوتي إليهم بذات فهمهم وأسألهم لماذا انهارت أقوى اقتصاديات العالم؟ أخي الرئيس: نحن من أمة دساتيرها وقوانينها في كلمات وكنهها «قل آمنت بالله ثم استقم» «لا ضرر ولا ضرار». لا شك في أننا نملك علماء أجلاء يمكنهم وبكل يسر فك طلاسم أكبر المعضلات ولن يتعسر عليهم وجود حل يرضي الدائن والمدين غير الذي نحن عليه. أخي الرئيس: على قدر أهل العزم تأتي العزائم كما على قدر أهل الكرم تأتي المكارم حماك الله وأعانك بتوفيق منه وسدّد على طريق الخير خطاك آمين.