سمعنا عن الدجاج (أبو تسعة جنيه ونص)، غير أني لم أكن من المحظوظين الذين اشتروه، ولم أصادف أحدا ممن حظوا بشرائه، لكنني صادفت أمس الدجاج (أبو عشرة جنيه)، وهو منتج من احدى الشركات المحلية، وتلك كانت المرة الأولى التي أرى فيها عيانا بيانا .. الدجاج الذي يقل سعره للكيلو عن اثني عشر جنيها ! العافية درجات، فما دام سعر الدجاج بدأ يتزحزح، ويسجل انخفاضا .. فذاك مؤشر على أن غذاءنا سيكاكي أخيرا، بعد هزيمتنا المريرة، أمام أسعار اللحوم الحمراء التي لم ترحم ضعفنا، أو تمنع هواننا ! ورطة اللحوم الحمراء، لا يمكن فرملتها إلا بالدجاج، هكذا فعل المصريون قبلنا، وهكذا فعل الخليجيون، حيث تتوفر الفراخ بكميات هائلة، وتستهلك أسواقها اللحوم البيضاء بمعدلات تفوق كثيرا اللحوم الحمراء، وكنا في غنى عن الخيارات، لأننا ملوك الثروة الحيوانية في المنطقة، لكن الصور كعادتها في بلادنا باتت مقلوبة، وأصبحت أسعار اللحوم نارا تلظى، فلم يعد بالإمكان سوى البحث عن البدائل ! كثيرون التفتوا من قبل للدجاج، وراهنوا منذ عقود على إمكانية توفره، وتسويقه، بحيث يكون (لحما شعبيا)، يأكله الجميع في العمارات والمنشية وأم بدة والحاج يوسف، بل ويتوفر بأسعار زهيدة في طوكر وزالنجي وحلفا ونمولي. المسألة لم تكن مجرد أحلام، فقد كان هناك مستثمرون شجعان، دخلوا بجسارة غمار التجربة، ولم يتهيبوا البيئة الاستثمارية الضعيفة، والمخاطرة العالية في مجال تربية الدواجن، خصوصا أن البنية التحتية للاستثمار في هذا المجال، كانت تنقصها العديد من العوامل المهمة للنجاح. لقد صمد البعض رغم الخسائر التي تكبدوها، وانسحب البعض بعد أن تقطعت أنفاسهم من قسوة الهرولة، وسبق أن زار صويحبكم بعض مزارع الدجاج في شمبات قبل عقد من الزمان، ورأيت كيف اقتحم البعض المجال غير هيابين، وأغدقوا المال على توفير بيئة استثمارية يمكن أن تفعل شيئا في إنجاح التجارب اليافعة، وللأسف فقد عصفت بالعالم، ومعه السودان، انفلونزا الطيور، وباتت الاستثمارات في مهب الريح، لتنهار الكثير من أركان الجهد الحثيث المبذول وقتذاك. الآن، الصورة لم تعد قاتمة، هكذا أزعم، ودعونا نتفاءل، فالخبرة المحلية باتت أكثر نضجا، والتجربة المحيطة في دول الجوار باتت أكثر تشجيعا لتطبيقها محليا، وحتى رأس المال الأجنبي الذي كان يدخل على استحياء في هذا الجانب، بات له وجود قوي وفعلي في الداخل . شخصيا .. أراهن بأن المزاج السوداني الغذائي صديق حميم للدجاج، فليس صحيحا أن هناك تحديا يواجه تسويق الدجاج، كما صرح بذلك د. مرتضى كمال، أمين عام غرفة الدواجن، يتمثل في تفضيل السودانيين للحوم الحمراء، فالمسألة لم تكن مسألة تفضيل، لأن العامل الاقتصادي أجبر الناس على تنحية الفراخ من القوائم المفضلة، وأظن أن تجربة بسيطة بوضع كميات من لحوم الدجاج، ولحوم الضأن، في مائدة واحدة، ستثبت بما لا يدع مجالا للشك، أن أغلبية الأيادي ستمتد للحوم الدجاج، لأنها الألذ، والأكثر جذبا للآكلين ! العافية درجات، والدجاج يبدو قادما، والمزاج السوداني سيتحول بسهولة للحم الفراخ، ما دامت أسعاره تتراجع، وما دام لحم الضأن عصيا إلا على القادرين.