{ حلَّ على بلادنا خلال اليوميْن المنصرميْن السناتور «جون كيري»، رئيس لجنة العلاقات الخارجيَّة بمجلس الشيوخ الأمريكي، المرشَّح لرئاسة الولاياتالمتحدة عن الحزب (الديمقراطي) في العام 2004م، وهو ذات الحزب الذي ينتمي إليه الرئيس «أوباما». { وصل «كيري» إلى «جوبا» أولاً.. ثم حطَّت طائرته في «الخرطوم».. وقبل أن يصلها أرسل تحذيراته وتهديداته للمؤتمر الوطني.. وفي ذات الوقت وعد بحوافز ولوَّح بإغراءات مقابل قيام الاستفتاء على تقرير مصير الجنوب في موعده في التاسع من يناير القادم.. { وجاء في أخبار (الأهرام اليوم) أمس أن «كيري» طالب حكومة السودان بأن تكون (أكثر جديَّة) في معالجة قضايا الاستفتاء على حق تقرير مصير الجنوب، فضلاً عن قضيَّة استفتاء منطقة «أبيي». وأكد «كيري» أن الاستفتاء (قائم في موعده)، ثم عاد ليقول في اليوم التالي لزيارته: (إن الجنوبيين سيصوِّتون لخيار الانفصال)..!! { «كيري» حاول (إغراء) حكومة الخرطوم، أو بالأحرى (خداعها) للمرة العشرين عندما قال: (إن واشنطن تريد علاقات جيدة مع الخرطوم، ويتعيَّن علينا تقديم (امتيازات فوريَّة) للخرطوم إذا أجرت الاستفتاءين بسلام). وأضاف: (إن واشنطن عرضت بالفعل حوافز على السودان منها تخفيف (محتمل) للعقوبات الاقتصاديَّة).. لكن السناتور العجوز (67 عاماً) هدَّد أيضاً بفرض المزيد من العقوبات في حال عدم الوفاء بقيام الاستفتاء في موعده..!! هذا قبل أن يصل الخرطوم..!! وبعد أن وصلها بسلام ألمح إلى عدم ممانعته التأجيل لبعض الوقت لأسباب تقنية !! { هل تعلمون ماذا كان يعني هذا (اليهودي العجوز) ب (الامتيازات الفوريَّة)؟! إنه يقصد إعلان وزارة الخزانة الأمريكية بأنها (لا تمانع في دراسة طلبات من شركات أمريكية لتصدير تقاوي ومعدات زراعيَّة إلى السودان للمساهمة في معالجة الأزمة الغذائيَّة)..!! { وهل تعلمون ما هي هذه (التقاوي) التي يريدون أن يحلوا بها مشكلة السودان (الزراعيَّة)، ويدمِّروا بها (وحدة السودان) أرضاً.. وشعباً؟! هي البذور(المعدلة وراثياً) التي لم تجد سوقاً في أوربا وأمريكا اللاتينية، بل وتواجه الشركات الأمريكية المنتجة لها ملاحقات قانونية من مزارعين في أوربا وكندا بسبب أضرارها الفادحة على الزراعة وعلى صحة الإنسان..!! { التقاوي المعدلة وراثياً هي هدية أمريكا لحكومة السودان مقابل إجراء الاستفتاء (بسلام) في موعده أو بعد أسابيع قلائل..!! المهم أن ينفصل الجنوب.. وينقسم السودان..إلى دولتين.. ثم تدور (الدائرة) وتستمرُّ (المتوالية).. تماماً كما حدث في جمهورية يوغسلافيا (العظمى) التي توزَّعت عظمتها على خمس جمهوريات..!! { السناتور «جون كيري» كاثوليكي الديانة.. لكنه افتخر خلال حملته الانتخابية في سباق الرئاسة إلى البيت الأبيض عام 2004م بأنه من أصول (يهودية). قال «كيري» في أكثر من مناسبة: (إن أجدادي يهود.. لكنهم تحولوا إلى المذهب الكاثوليكي فراراً من الاضطهاد في أوربا)!! وظل السناتور «كيري» يفخر بيهودية شقيقه ومستشاره في الحملة الانتخابية «كاميرون» { وكما ظل جميع المبعوثين الأمريكيين يخادعون حكومة «المؤتمر الوطني» منذ العام 2001م وحتى يومنا هذا، ابتداءً بوعود السناتور القس «جون دانفورث» برفع العقوبات عن السودان في حالة الموافقة على مقترحه بشأن حل نزاع منطقة «أبيي» والتوقيع على اتفاقية السلام الشامل في نيفاشا عام 2005م، مروراً بأكاذيب «أندرو ناتسيوس»، و«روجر وينتر»، الذي أصبح - لاحقاً - مستشاراً للحركة الشعبية وحكومة الجنوب ومفكرها الأوحد وقائدها نحو (الانفصال)، ثم عبوراً بمرحلة «ريتشارد وليامسون» القصيرة، ووصولاً إلى تأكيدات المبعوث الأسبق «روبرت زوليك» خلال محادثات «أبوجا» في العام 2006م، وإعلانه القاطع والصارم بأن (الولاياتالمتحدة ستفرض عقوبات قاسية على الحركات المسلحة الرافضة لتوقيع اتفاقية سلام دارفور في أبوجا)..! { وغادر «خليل ابراهيم» أبوجا إلى «إنجمينا» و«طرابلس» ومازال هناك.. وغادرها «عبد الواحد محمد نور» إلى «باريس» ومازال هناك.. وتضخمت الحركات المسلحة، وتكاثرت وتناسلت.. ولم تفرض أمريكا أية عقوبة على تلك الحركات (الشيطانية) المتناسلة.. حتى دخلت حركة العدل والمساواة «أم درمان» الطاهرة العزيزة في مايو عام 2008م، بعد عامين من إعلان «روبرت زوليك» الذي صار من بعد ذلك رئيساً للبنك الدولي ..!! { والآن.. وبعد (8) سنوات من التوقيع على برتكول «مشاكوس».. وبعد (9) سنوات من تعاون السودان (المثمر) و(البنَّاء) مع ال (C.I.A) في مجال مكافحة الإرهاب، فإن السناتور اليهودي «جون كيري» والجنرال المتقاعد آخر المبعوثين الأمريكان إلى دولة السودان (الواحد) «سكوت غرايشن» ، يحاولان - وللمرة الأخيرة - أن يمرِّرا (الخدعة الأخيرة) على رؤوس قادة (المؤتمر الوطني) بالموافقة على انفصال الجنوب (بسلام) مقابل رفع العقوبات (بعد الاستفتاء)..!! { بالله عليكم.. هل من مضحكة أكثر من هذي؟! هل سمعتم أو رأيتم مثل هذه (المهازل) والمسرحيات على مسارح دول أخرى غير السودان؟! لماذا لا تتعلمون من دهاء الإيرانيين الذين يتلاعبون منذ سنوات بأمريكا وأوربا في مسلسل طويل اسمه (تخصيب اليورانيوم)؟! لماذا لا تقرأون كتاب الدبلوماسية السورية، التي عندما تكالبت أمريكا وأوربا على «دمشق» عقب مقتل الرئيس «رفيق الحريري»، وافقت عبر الوسطاء «الأتراك» على فتح قنوات المفاوضات المباشرة مع «إسرائيل» ..!! وما أن هدأت (الموجة) العاتية، حتى انسحب أحفاد «معاوية» و«عمرو بن العاص» من المفاوضات ..!! { لماذا نفاوض «سلفاكير» و«دينق ألور» في «أديس أبابا»..؟! لماذا ننحني للمرة (الألف) ونصدق الوعود الأمريكية (الكذوبة).. ونخدع الشعب السوداني المسكين ونمزِّق وطنه.. ونقسِّم ترابه.. لصالح زمرة من جنرالات (عملاء) في الجنوب يقودون السودان إلى الجحيم..؟! { ماذا يستطيع «كيري» أن يفعل.. بل وماذا بمقدور «سلفاكير» أن يفعل إذا لم يقُم الاستفتاء في موعده..؟! سيعلن استقلال الجنوب من داخل برلمان «الحركة» الهزيل..؟! فليفعل.. وليبحث عن عائدات النفط التي كانت تأتيه من «الخرطوم».. { هل هناك عقوبات أقسى من أن يكون رئيس الدولة، المشير عمر البشير، مطلوباً لدى ما تُسمى بمحكمة الجنايات الدولية بموافقة ودعم أمريكي؟! { «جون كيري».. طز.. طز.. طز.. ولكن من يقولها من بين حكام الخرطوم الذين لا يحسنون سوى حزم الحقائب إلى «الدوحة» أو إلى «أديس أبابا»!! { ولا حول ولا قوة إلا بالله.