وأنت داخل سوق قندهار أول إحساس يغمرك في ظل المناخ الاجتماعي والنفسي هو الشعور بالراحة والأمان وبساطة المكان الذي لا يتعدى حصيراً ورواكيب وعناقريب وترابيز خشب وكيزان ألمونيوم، وبهذه العدة التقليدية صار المكان أشبه بالمناطق السياحية، فأول ما تقع عليه عيناك وأنت تمضي قدماً داخل السوق كثرة اللافتات التي تحمل أسماء غريبة كتب على إحداها «مشتهى الأنظار»، وأخرى كتب عليها «من البقر إلى البشر»، ومن بينها لافتة تحمل اسم «منى غرزتين». أكثر من (30) امرأة آثرن ترك بيوتهن وأولادهن وأزواجهن للعمل بسوق قندهار، منهن من أتقنَّ شواء اللحم على الفحم ومنهن من أتقن فن الإدارة، وأخرى تقف خارجاً لتنادي وتجذب المارة لتكسبهم زبائن لها، ومع هذا أجمع الكل على تراجع مستوى الدخل بالسوق، وأرجع الأمر لسببين: غلاء الأسعار داخل السوق الذي يعود السبب فيه لمقاسمة الضرائب والنفايات والإيجارات الشهرية ما يكسبنه خلال اليوم من مال، والسبب الثاني ارتفاع الأسعار خارج السوق الذي جعل من المجيء إليه آخر الاهتمامات بعد أن كان أولها. نفيسة الملقبة (بملكة قندهار) تقول إن الأحوال تبدلت ولم يبق السوق كما كان سابقاً وأصبحت تشتري بهائم صغيرة وزن 8 كيلو ب 280 جنيهاً فيقوم الجزار بشراء اثنتين أو ثلاث كأعلى حد ويذهب بها إلى السلخانة يحدث هذا تحديداً يومي الجمعة والسبت نسبة لتدني نسبة الشراء ففي السابق كنا نذبح في اليوم الواحد من 6 إلى 8 بهائم، أما الآن فالدخل قلّ ويرجع هذا لكثرة المحلات والكيلو كان ب 18 جنيهاً والآن وصل إلى 24 جنيهاً بالإضافة إلى إيجار العناقريب والكرت الصحي والنفايات والرخصة السنوية التي تبلغ 700 جنيه. نعيمة أم صدام، صاحبة المكان المجاور لها، كانت تحدجنا بنظرات غريبة فانتقلنا إليها وبعد أن عرفت وجهتنا ومقصدنا قالت وابتسامة عريضة اعترت وجهها (ناديتكم وأبيتو تجو) وذكرت أنها تعمل بالسوق منذ 13 عاماً وواصلت: عندما كان يطلق على هذا السوق سوق الناقة كانت الأسعار ثابتة والدخل عالياً والأماكن محدودة أما الآن فاختلف الوضع وحدثت زيادة بسيطة في الأسعار لم تتعد اثنين أو ثلاثة جنيهات ولكن الشراء تراجع كثيراً نسبة لكثرة الأماكن وغلاء الإيجارات التي بلغت قيمتها 300 جنيه للمكان الواحد الذي لا يسع سوى 6 عناقريب ولهذا البيع لا يغطي. وأدلت زميلتها برأيها بعد أن فرغت من عملية الشواء، مفضلة حجب اسمها، وقالت إن سوق قندهار انتهى، فكان في السابق إذا دفقت الماء خارجاً يندفق في عربة تابعة لأحد الزبائن، ولكن الآن من الطبيعي أن يبيت اللحم إلى اليوم الثاني، وهذا لأن المحلات كان محصورة، أما الآن ف (العميان شايل المكسر) وغلاء المحلات وضغوطات الرخص أدت إلى تدني مستوى الدخل.