جبال النوبة والنيل الأزرق، قدمتا نضالات كبيرة في صفوف الجيش الشعبي طيلة سنوات الحرب العشرين، سنوات دفعت بهذه المناطق لأن ترضى بالعمل ضمن الحركة الشعبية التي جاءت امتداداً لحركة الأنانيا «1» ذات التوجه الانفصالي لجنوب السودان، ولكن المنفيستو الذي طرحته الحركة عام 1983م عند التأسيس؛ دفع هذه المناطق للانضمام إليها، على الرغم من تحذيرات العارفين ببواطن الأمور، والآن انتهى كل شيء، فأدركت هذه المناطق حقيقة الأمر، وهو ما أكده اللواء البلولة حمد عبد الباقي، قائد فصيل جنوب كردفان، وعبد الباقي الذي انضم إلى الجيش الشعبي ومعه أكثر من «8» آلاف مقاتل من جنوده؛ كشف ل «الأهرام اليوم» حقائق ما دار وما يدور داخل الحركة الشعبية، وخفايا وأسرار الصراع، وموقع هذه المناطق منه. وما بين الانفصال والاستفتاء وترسيم الحدود وأوضاع جبال النوبة؛ كانت محاوره، فماذا قال في إفاداته؟ { الجنوب الآن يتجه نحو الانفصال، كيف تقرأ الوضع؟ - أعتقد أنه إذا حدث الانفصال؛ فستكون هناك حرب على طول خط التماس، فالرعي والماء والتوسع المحتمل من قبل الجنوب في الأراضي الزراعية وفرض الضوابط على حركة الرعي، هذه كلها أشياء قد تدفع بالأمور نحو الانفجار، فمهما حاولنا وضع صيغة لها ستظل تلك المواضيع مكمن احتكاك ونزاع دائم. { حتى إذا وقع البحر داخل أراضي الجنوب؟ - نحن نعتبر أن البحر جزء من أراضينا، وبالتالي لا يمكن لأية جهة أن تحرمنا منه، أما نحن من جانبنا فلا يمكن أن نتخلى عنه. { أسيتم ترسيم الحدود وفق 1/1/1956؟ - هناك مناطق لم يكن الإنجليز قد حددوا تبعيتها إبان فترة الاستعمار، مثلاً منطقة كاكا بجنوب كردفان، وهي ضمن أراضي أولاد حميد والحوازمة، ولكن وفق هذا التقسيم؛ تقع في الجنوب، وهذا خطأ. { الحركة يهمها الآن الاستفتاء وليس ترسيم الحدود؟ - لا يمكن أن يحدث استفتاء قبل ترسيم الحدود، لكن إذا أصرت الحركة على إجراء الاستفتاء من طرف واحد، أو عبر البرلمان؛ فهذا يعني العودة إلى الحرب، فالانفصال الذي تسعى إليه لا يمكن أن تحصل عليه إلا عبر الاستفتاء، أما إذا حاولت فرضه علينا؛ فنحن قادرون على الدفاع عن أراضينا. { هناك تخوّف من حدوث صراعات في الجنوب في حالة الانفصال؟ - اليوم الذي يُقدِم فيه الجنوب نحو الانفصال؛ هو نهاية دولته الجديدة، فالصراعات القبلية مزمنة بين قبائله، فهناك صراع الدينكا والنوير كأكبر قبيلتين في الجنوب، وتحرك آخر من قبل الاستوائيين، وهم يعتقدون أن ارتباطهم بأوغندا أكبر، وبدأ قادتهم يتحدثون عن اتجاه لانضمامهم إلى أوغندا، عموماً أقول لك إن في وجود سيطرة الدينكا على مفاصل الحكم في الجنوب؛ كل شيء يمكن أن يحدث، وفي الحقيقة بدأت بعض القبائل تتململ من هذه الوضعية، أي سيطرة الدينكا، فمثلاً النوير يعتبرون أنفسهم هم الأولى بحكم الجنوب، ويقولون إن ميزانية الجنوب تأتي من مناطقهم عبر عائدات النفط، فلماذا لا يحكمون؟ وبالفعل إن بوادر الخلافات بين الطرفين واضحة، وإنْ كانت هناك محاولة لإخفائها، ونلاحظ أن سلفاكير في كل مرة يطالب فيها النوير بتغيير الحاكم تعبان دينق؛ نجده يفرضه عليهم. { ولكن النوير الآن ممثلون في القيادة؟ - إن كنت تشير إلى رياك وفاولينو؛ أقول لك: أنا شخصياً عملت مع الفريق فاولينو متيب، واللواء عبد الباقي، ولديّ تجربة طويلة مع النوير، لذا أقول لك: عندما وصلنا إلى جوبا لم يجد الفريق فاولينو أو عبد الباقي ولا أنا الاحترام من قبل الحركة الشعبية، بل كانوا ينظرون إلينا كجواسيس للمؤتمر الوطني، والفريق فاولينو يعلم ذلك، بل كلنا نعلم بنظرتهم تجاهنا. { إذن، كيف تنظر للحركة الشعبية الآن؟ وأين تتجه؟ - الحركة الشعبية الآن سقطت مع سقوط المنفيستو الذي عملت من أجله، وهو في اعتقادي المنفيستو هو الآخر سقط برحيل د. جون قرنق، وبدأت مرحلة جديدة في الحركة، وهي إقصاء الآخر، والآن تفتح الباب واسعاً للشماليين للخروج منها، وهذا واضح من خلال اعتكافها جنوباً. { أين جبال النوبة والنيل الأزرق من هذا؟ - الحركة الشعبية استخدمت أبناء جبال النوبة في القتال، ولكن عندما جاء السلام همشتهم، أقول هذا وليس تجنياً على الحقيقة، بل هو الواقع. أتدري يا أخي، أن في قيادة الجيش الشعبي في جوبا لا توجد أي مكاتب لأبناء جبال النوبة؟ ولا تمثيل أو رتب عليا، فهل يوجد تهميش أكثر من هذا؟ لذا أقول لك: الحركة الشعبية تاريخياً استخدمت أبناء النوبة في الحرب، والآن هي تحاول فرض «الحلو» عليهم، وهم يرفضون ذلك ونحن أيضاً نرفض خيار الحركة، فهي في الحقيقة تعمل على اغتيال قيادات النوبة سياسياً وعلى رأسهم اللواء دانيال كودي، وتلفون كوكو، وجلاب، وأعتقد أن الحركة نجحت في هذا المخطط، في جبال النوبة الآن لا وجود للعمل السياسي للحركة، أتدري لماذا؟ إن هذه المناطق وفق التقسيم التنظيمي للحركة الشعبية تتبع إلى قطاع الجنوب، ولكن لأكثر من «6» شهور لم يصلهم أي مبلغ من المال للعمل في مناطق جبال النوبة، لذا أقول لك: لا توجد برامج سياسية للحركة الشعبية تجاه جبال النوبة، ولكن مع الأسف الحركة في جبال النوبة تمارس ذات الأسلوب الذي مورس تجاه الجنوب من الآخرين. { ماذا عن تلفون كوكو؟ - اللواء تلفون كوكو تم اعتقاله لأنه كان يعمل على توحيد أبناء جنوب كردفان، ووفق مخططهم يمثل عليهم خطراً، وإلا لماذا لا يطلقون سراحه حتى الآن ما دام هناك عفو عام من سلفاكير عن الذين عارضوه؟ لا سيما أن تلفون كوكو أثبت الحقائق أن التهم التي وجهت إليه كانت ملفقة، عموماً أقول إن هؤلاء لا يحفظون الجميل، فتلفون كوكو هو القائد الوحيد الذي ظل يتحدث عن الحقوق والمطالب، فهو رجل متواضع جداً إلا أنهم يوجهون إليه اتهامات مضللة ومجافية للحقيقة. { إذن، وضعية جبال النوبة؟ - الحسنة الوحيدة للمؤتمر الوطني أنه قال إن أبناء جبال النوبة في الجيش الشعبي هم جزء من الشمال ويمكن تسوية أوضاعهم، وهذا الشيء الجيد، وهو ما لم تقله الحركة الشعبية في نيفاشا. { قطاع الشمال...؟ - أعتقد أن هناك اتجاهاً للتنسيق بين عرمان وعقار والحلو لمواجهة الفترة القادمة. { هناك أزمة في أبيي؟ - أبيي أزمة، ولقاوة أزمة أخرى، فهذه المنطقة قابلة للانفجار، فهي انضمت إلى جنوب كردفان عقب اتفاق سويسرا، ففي السابق كانت جزءاً من غرب كردفان، وأهل غرب كردفان يقولون في المشورة الشعبية إن ولايتهم يجب أن تعود إليهم كاملة. { ماذا عن كينيا وأوغندا والجنوب؟ - أقول لك: إن كينيا وأوغندا الآن تعملان باتجاه الانفصال بقوة، وتظهران صداقة لشعب جنوب السودان، ولكن ما تخططان له هو أسوأ، أعتقد عندما ينفصل الجنوب «ستظهر المشاكل» فمثلاً أوغندا لديها خرائط للحدود مع الجنوب، والاستوائيون يقولون إنهم جزء من أوغندا، وهي أيضاً تدعي ذلك، وكينيا لديها خرائط أيضاً، ومن هنا ستبدأ الصراعات في الجنوب، وصراع آخر بين كينيا وأوغندا على الحدود مع الجنوب، ملاحظ الآن أن أوغندا بدأت في توطين مواطنيها في جوبا، حتى صار عدد المواطنين الأوغنديين أكثر من سكان جوبا، وهناك مضايقات تمهيداً لطرد التجار الشماليين من الجنوب واستبدالهم بالأوغنديين. { الحديث عن الأوضاع المالية للجيش الشعبي؟ - هناك فساد متفش وسط الجيش الشعبي، فأحياناً أكثر من 4 إلى 5 شهور لا يتلقى الجنود مرتبات، حتى الذين ظلوا فيه طيلة فترة تأسيسه، أما الذين تم تنظيمهم فأقول لك إن قواتنا التي تم تنظيمها منذ 2005 وحتى الآن لم تصرف لها المرتبات، وهو ما أثقلها بالديون، والآن هناك تجار يطالبون بتسديد ديونهم. { من المستفيد إذن؟ - تذهب أموال الجيش الشعبي التي تقدمها الدول المانحة إلى البنوك في الدول الخارجية لمصلحة القيادة السياسية في الحركة وأشخاص محددين.