٭ وضع الأستاذ الزراعي صلاح الكجم في أجندته زيارة صحيفة الأهرام، وذلك من ضمن الأجندة والمناشط والمهام التي سيباشرها في زيارته القصيرة لولاية الخرطوم، وهو يستهدف زيارة «مؤسسة الملاذات»، على صاحبها الرحمة والمغفرة والرضوان، لكن الحظ لم يحالفني لأكون موجوداً بالصحيفة لحظة زيارة الرجل الكجم، فما كان من الرجل إلا أن بحث عن رقم الهاتف الجوال ليخبرني بأنه يزورنا في «الأهرام»، وأن هذه الصداقة التي هي من طرف واحد قد امتدت لزمن طويل، فالأستاذ صلاح الكجم المسؤول عن الأبحاث الزراعية بولاية كسلا، خريج كليات الزراعة في السبعينيات، قال إنه يتابع قراءة هذه الملاذات عبر تجوالها في عدة صحف إلى أن استقرت أخيراً بصحيفة الأهرام، ويود أن يتوج هذه الصداقة بأن يلتقي كفاحاً بصاحبها، فرأيت أن أقابل هذا الوفاء بوفاء آخر، فمقابل تسجيل تلك الزيارة؛ رأيت أن أسجل عبر هذا المقال، أو قل أوثق؛ زيارة رجل زراعي كبير لكاتب صحفي صغير، فإذا كان الرجل الكسلاوي قد دفع ثمن قراءته «لزاويتنا المتواضعة» زيارة استقطع وقتها من وقته الغالي؛ فها أنا ذا أحاول بهذا المقال أن أسدد بعض الاستحقاق. سألت رجل الزراعة الكسلاوي عبر تلك المكالمة عن بعض الموضوعات العالقة بذهنه وذاكرته، فبدأ من الآخر وهو يعيد علينا «قصة رجل شرق النيل»، صاحب المتجر بسوق حلة كوكو، الذي تجاوز إكرام «تأكل وتشرب شنو»، تجاوزه إلى ثقافة «تلبس شنو»! وحكاية «كلما اتخذت حافلة لأعبر بها إلى الخرطوم، وجدتها تدور بي في شرق النيل»، وهي مأخوذة من المقولة الشهيرة «كلما تطلعت روسيا إلى أوروبا وجدت نفسها تدور في فلك آسيا». ٭ إلا أن القصة التي لا زالت تطرب الرجل هي قصة «اجر يا نيل الحياة»، النداء الذي وجهناه إبان فصل الخريف للحكومة، بأن تتحول ثقافتها الزراعية مائة وثمانين درجة، فتحول تلك الآليات والخيش والإمكانات والإعلام وغرف الطوارئ، تحولها من مربع «مقاومة فيضان المياه» إلى مربع استثمار تلك المياه والإمكانيات، الكراكات والجرافات تكون للزراعة وليس للمقاومة، وادخار الخيش للمحاصيل بدلاً عن المتاريس، وتغيير شعار «المرحلة الخريفية» من ثقافة «عجبوني الليلة جو ترسو البحر صددوه» إلى ثقافة «اجر يا نيل الحياة لولاك ما كانت حياة»، وبلغ تحريضنا مرحلة دعوة الحكومة الاتحادية إلى أن تدير أعمالها في مواسم الخريف من مدينة القضارف، بل أن تتشكل حكومتنا في زمن الخريف من ثلاثين وزيراً للزراعة وثلاثة وزراء آخرين للخارجية والداخلية والمالية، «حكومة فصل الخريف»، على أن يعيَّن وزير رفيع لوزارة الذرة الرفيعة، ووزير متواضع للذرة غير الرفيعة، ووزير للصمغ وآخر للقطن طويل التيلة، ووزير دولة للقطن قصير التيلة، ووزير للقمح وآخر للبقوليات، لدرجة «وزارة الأزاهر والورود»، على طريقة ذلك المثل الصيني الذي يقول «إن كان لك قرشان فاصنع بالأول خبزاً وبالثاني زهرة»، على أن تدير هذه الوزارة الأخيرة وزيرة من أصول وجذور زراعية، على أن تكون من أبوين مزارعين وأن تكون كل ثيابها مرصعة بالزهور وأنها قد ولدت في مزرعة وترعرعت فيها قبل تخرجها في كلية الزراعة. وغير الزراعة هناك بعض المصطلحات الخاصة بهذه الزاوية لا تفتأ تطرب «رجل الزراعة الكجم» وذلك على شاكلة «الأجنحة والمضارب». ٭ على أي حال لم نيأس يوماً، أخي صلاح الدين الكجم، في أن ينهض يوماً «صلاح الدين» الزراعي السوداني «بالثورة الزراعية» وإعلان «السودان دولة زراعية»، ومن ثم لنقيم لكل محصول وزارة، حتى «الزهور والورد» نزرع لها وزارة بحالها في وجداننا ومياديننا. فمرحباً بك أخاً وصديقاً وزائراً كريماً بل وشريكاً وصاحب أسهم وإسهام في أطروحة الأهرام برمتها.. ودمتم.