من أزقة حي العرب خرج، دفئاً نبيلاً، وتلألأ نجمه فأضاء سماوات أم درمان؛ معشوقته الفاتنة والأولى.. أهواها منذ كنت غلاماً في عيني أمي وأبي! وفيها تصبح أحلامه وردية وقصائده متدثرة بالسحر والروعة، قامة شعرية فارعة ولحناً سودانياً أصيلاً.. جاءت كلماته اليانعات من نبض قلبه المرهف، وإحساسه الرقيق.. عرفته شوارع أم درمان منذ كان طفلاً صغيراً، وترعرت موهبته الفذة وهو يجالس الشاعر الكبير الراحل عبد الرحمن الريح وأخذ منه حس الفنان وذوق المبدع، ودخلت كلماته وجدان الملايين عبر صوت الفنان الذري الراحل إبراهيم عوض فصار قلبه الكبير وطناً لكل المهمومين والباحثين عن الدفء.. سيف الدين الدسوقي، ذلك الحلم الوضيء وتداعيات الوصول إلى قمة الهرم الإبداعي المتكامل.. «ليه بنهرب من مصيرنا» تعبير نتج من إحساس جيل فعبر عن كل الأجيال، زغردت قصائده وتباهت بها أصوات عدة لفنانين تغنوا بها «ما في حتى رسالة واحدة وبيها إصبر شوية والوعد بيناتنا إنك كل يوم تكتب إليّ».. هذه الأغنية مليئة بالمواعيد والأحلام والترقب.. و«عندي كلمة» للراحل محمد أحمد عوض، و«مشوار» للبلابل، و«بنادي عليك» لزيدان إبراهيم، و«أودع كيف» أغنية الرهق المسافر عبر المساءات التي أداها الفنان الراحل سيد خليفة وأشجن معها مسمع الوطن، والكثير من الأغنيات والقصائد التي لا تعرف الانكسار، وتأتي روعة شاعرنا الدسوقي في شمولية الإبداع فقد كان إعلامياً مبرزاً وهو يمارس العمل الإذاعي مذيعاً بالإذاعة السودانية حتى وصل إلى مرحلة مدير إذاعة وادي النيل، ويقدم لها الوعد الصادق باستمرارية العطاء وتواصل الجمال عندما ترتدي القصيدة صوت شاعرنا وهو يقرأها في مهرجان المربد أو برنامج «الحرف والليل والنغم» مع الراحلة ليلى المغربي، بإحساسه الصادق تزدان على زينتها وتزداد ألقاً وشفافية، وصدقوا عندما أسموه «ملك الإلقاء» فهو يضيف الكثير للقصيدة عندما يلقيها بنفسه لتلج الأعماق وتلامس شغاف القلوب دون مواربة ودون حواجز، ليكون سيف الدين الدسوقي رمزاً للفنان الشامل وليصبح أهزوجة في فم أبناء الوطن وتلك الحلوة «أم درمان».. نتمنى له عاجل الشفاء مطالبين الوسط الفني من أبناء السودان بالوقوف معه في محنته وهو يصارع المرض خاصة أن الدسوقي قد أفنى زهرة شبابه في عالم الفن والإبداع ونأمل أن توليه وزارة الثقافة اهتماماً يناسب مكانته وهو شاعر يكتب بماء الذهب.