{ النساء معروفات و«متهمات» بالثرثرة، ولكنهن يثرثرن بوداعة وسذاجة، إلا أن للرجال ثرثرة من نوع آخر، فأصواتهم ترتفع بالثرثرة وتتخلل أحاديثهم ضحكات مصنوعة وقسم غليظ كاذب، إنهم يديرون مناقشاتهم بروح المحاربين، فيقصفون بعضهم بالكلمات ويخفون عداءً ومنافسة خلف كل حوار، ويتمترسون خلف الوقائع ليغيروا على بعضهم البعض في جلسات السمر. { أما النساء، فثرثرتهن مشوبة بروح السلم، وتأتي غالباً من باب (الونسة) وقتل أوقات الفراغ حتى وإن انحدرت إلى درك النميمة، فهذا في حد ذاته نوع من السذاجة والعفوية لأنهن ساعتها لا يدركن حجم الفواجع التي قد يقودهن إليها فعل النميمة بعد أن تتسع دائرتها ويبدأ الحديث بالتداول حتى يبلغ آذان المعنيات بالأمر لتبدأ حرب لا تنتهي وغير محمودة العواقب. إن النساء مولعات بأحاديث البيت والأعباء المنزلية والأبناء، همومهن ترفرف فوقهن كالحمائم، وحديثهن يتسم بالواقعية والموضوعية لأنهن يتداولن تفاصيل الدنيا وشجونها ويسترسلن في «الاندياح». { ولكن الرجال في جلساتهم لا يتورعون عن سفك الجدال، يطلقون الاتهامات الطائشة ويقيمون لبعضهم الحواجز والفخاخ وينسجون المكائد. وبينما النساء يضحكن أكثر مما يثرثرن، يعمد الرجال للمهاترات والتجادل أكثر من الضحك، ولا يتقنون سياسة النساء في تطييب خواطر بعضهن البعض ورفعهن المعنويات والإصغاء التام إلى شجون بعضهن وأشجانهن التي لا تحصى دون أن يعرفن الملل أو الضجر. { ومن الملاحظ أن اجتماعات الرجال أقل بكثير من لقاءات النساء التي أصبحن يضعن لها جدولاً زمنياً ثابتاً ويحرصن على ألا يتخلفن عن الموعد، فالرجال يتحاشون بعضهم البعض، وإذا انحرف بهم الحديث إلى حزن فردي لأحدهم أو مشكلة خاصة؛ يتجاهلونه، وينطلقون إلى مناقشة قضايا يزعمون أنها كبرى، وأفكار يعتقدونها كبرى، مشاغل يظنونها كبرى، ويتوهمون أنهم كبار بأحاديث كبيرة، ولا يدركون أن لهذا كانت النساء أكثر معرفة ودراية بالحياة، لأنهن منشغلات بالقضايا والتفاصيل الصغرى، وهي الأهم والأساس لكل ما هو كبير في نظر الأحداث، وبينما لا تقود الأمور الكبيرة سوى للتعارك والخلاف؛ تمضي التفاصيل الصغيرة بحياتنا إلى الأمام وتحركها من الجهات الأربع. فكل القضايا الكبرى قادت الجميع إلى طريق الاحتراب، بينما كانت القضايا الصغرى خريطة طريق نحو السلام. { والرجال أيضاً يمارسون النميمة، ذات النميمة التي يشكون من ممارسة النساء لها وينتقدونهن بشدة، غير أن نميمتهم تختلف عن نميمة النساء، فنميمتهم عناقيد مفخخة، وكل ثمارها قنابل وادعاءات ومحاولات للنيل من الآخر في كل منعطف للحديث. بينما نميمة النساء أشبه بتكعيبة العنب، تتشابك الكلمات بينما هن يسترسلن في الحديث كشلال من البهجة الغضة وقليلاً ما ينحرفن عن المسار ويخرجن عن دبلوماسيتهن ليجاهرن بعضهن بالعداء، بينما الرجال حينما يشتد النقاش ويحمى، يتحول إلى شلال من الدماء والسباب ليبدأوا في ممارسة كل أنواع التعذيب ضد بعضهم البعض، وكل أنواع القدح والذم حتى وإن كان نقاشاً رياضياً أو فنياً ناهيك عن المناقشات الفكرية والسياسية والمالية. وهم على عكس النساء تفتقر لقاءاتهم إلى أي شكل من أشكال الحنان والتربيت على الأكتاف والمؤازرة المعنوية، لأنهم يتصلبون، ويخفون دموعهم وعذاباتهم حتى لا يحتاجوا إلى ضعف بعضهم، لأن فيه انتقاص للرجولة. بينما النساء تترقرق الدمعة في عيونهن وتسبق كلامهن فتصفو أرواحهن وحتى بعد كل حديث عاصف، ثمة مطر وشيء أخضر قد أينع بينهن ووردة تبرعمت. { إنني أنحاز لثرثرة النساء بكل نميمتهن، وأنتقد ثرثرة الرجال الكاذبة حتى وإن كان بها ذلك التشويق البوليسي الذي يقود الى ادعاءات مزعومة برجولة مطلقة. { تلويح: هو تحامل جديد على الرجال، وتحيز سافر لبنات جنسي تحتمه عليّ الفطرة البشرية، وحق الرد مكفول.