{ رقصت بعض الفضائيات (العربية) ومواقعها الإلكترونية طرباً طوال يوم أمس «السبت» على حديث «أوكامبو» مدَّعي ما يُسمَّى «محكمة الجنايات الدولية» لدبلوماسيين أمريكيين يحاول إقناعهم في جلسة من جلساته معهم، بضرورة وأهمية تبنِّي خط (الطعن في ذمَّة الرئيس البشير المالية)؛ لأن هذا سيحوِّله من (رئيس قوي) إلى (لص) في نظر الرأي العام السوداني..!! { وبالتأكيد، فإنَّ هذا (الخط)، أو (المقترح) فشل، ولم يجد وقائع أو أدلة يستند عليها؛ لأن «أوكامبو» تحدث إلى الدبلوماسيين الأمريكيين قبيل صدور مذكرة توقيف «البشير» في مارس 2009م، أي قبل نحو (عامين)..!! { عامان كاملان.. و«أوكامبو» يبحث عن أدلة لتوريط «البشير» والكشف عن حساباته المصرفية في أوروبا.. لكنه لم يجد شيئاً، وإلاَّ لحدثنا بالتفصيل (الممل) عن اسم البنك.. وفرعه.. ورقم الحساب.. وكمية المبالغ المودعة فيه. { حسب ما جاء في «ويكيليكس» فإنَّ «أوكامبو» حادَث دبلوماسيين (في العام 2009م) وزعم أن البشير (ربما) كانت له أموال مودعة في بنك (لويدز) البريطاني..!! وأنَّ البشير إذا ثبت ذلك الادعاء سيتحوَّل من (رئيس قوي) وصفة (القوة) من عند «أوكامبو» لا من عندنا وهذا اعتراف تنطبق عليه مقولة العرب (الفضل ما شهدت به الأعداء)..!! سيتحوَّل الرئيس البشير من (رئيس قوي) إلى (لص)..!! والصفة الأخيرة أيضاً من بنات أفكار وأوصاف (المغبون) «لويس مورينو أوكامبو»..!! { مجموعة «لويدز» البريطانية نفت بشدة ادعاءات «أوكامبو» وقالت بالحرف والنقطة والشولة: (لا يوجد لدينا أي دليل مُطلقاً على وجود صلة بين مجموعة «لويدز» والسيد عمر البشير). { إذن، قطعت «لويدز» البريطانية قول كل (خطيب).. سواء كان المدَّعي (المغبون) أوكامبو.. أو مناصريه في الإعلام العربي.. وعلى رأسهم قناة وموقع «عبد الرحمن الراشد» الفائز بجائزة (أصدقاء إسرائيل).. قناة تُسمَّى (العربيَّة).. لكنها (العبريَّة).. الاسم الحقيقي الذي يتردد بين الناس في كثير من البلدان (العربيَّة). { انظروا إلى عنوان (العبريَّة) لخبر «أوكامبو» على الموقع الإلكتروني: (البشير في عين العاصفة بعد اتهامه باختلاس مليارات من عائدات النفط)..!! دققوا في عبارات (عين العاصفة).. (اتهامه).. (اختلاس).. تمعنوا فيها.. وراجعوها (مهنيَّاً).. أو أحيلوها إلى خبراء الإعلام والصحافة.. ليس في «السودان».. بل في «السعودية» التي تموَّل (العبريَّة).. و«الإمارات» التي تنطلق منها القناة.. ولا شك أنهم سيتعجبون من تحامل الراشد.. (غير الراشد).. وتكسيره قواعد المهنيَّة لصالح الصهيونية العالمية. { و(الجزيرة) التي هي أيضاً تدَّعي (المهنيَّة) أكثر من غيرها، فضحها موقع «ويكيليكس» نفسه عندما قال في إحدى برقياته الأمريكية المسرَّبة إن حكومة «قطر» تستغل قناة (الجزيرة) في سياستها الخارجية، وأنها عرضت على حكومة السعودية تخفيف الهجوم المستمر عليها في قناة (الجزيرة) مقابل تمرير بعض الأجندة (القطرية)..!! { لكن (الجزيرة) المهنيَّة جداً.. لم تشِر لا من قريب أو بعيد لتلك البرقية..!! { و(الجزيرة) المهنيَّة جداً لم تشِر إطلاقاً إلى برقية «ويكيليكس» الأخطر التي كشفت أن دولة «قطر» تدفع 60% «ستين بالمائة» من ميزانية قاعدة «العيديد» (الأمريكية) في قطر..!! قناة (العربية) وحدها هي التي رقصت على (برقية العيديد).. في إطار (مهنيَّة تقاطع المصالح السعودية القطرية)..!! { و(الجزيرة المهنيَّة جداً قاطعت تغطية إعلان انسلاخ القيادي البارز «آدم شوقار» من حركة «العدل والمساواة» وتشكيله (حركة تحرير السودان القيادة العامة)؛ رغم أن الحدث هبَّ إلى تغطيته في «أديس أبابا» (9) من كبار رؤساء تحرير الصحف السياسية في السودان.. ولا شك أن هؤلاء يعرفون قيمة ذلك الحدث (مهنيَّاً) أكثر من موظفي «الجزيرة» القطرية، لكن (المُخدِّمين) في «الدوحة» لا يريدون إبرازاً لأي نشاط يتعلق بالمفاوضات خاص بدارفور.. خارج حدود «الدوحة»!! { تصريحات «أوكامبو» التي أوردها «ويكيليكس» تؤكد أن «البشير» (رئيس قوي).. وليس (لصاً).. هذا أولاً. { ثانياً: وكالة «رويترز» أكدت «أمس» على لسان مسؤولي مجموعة «لويدز» أن «البشير» لا يملك دولاراً واحداً لديهم. { ثالثاً: «أوكامبو» نفسه قال ل«رويترز» «أمس» عندما سألته الوكالة عن بنك «لويدز» قال بالحرف: (الأموال ليست في بنك «لويدز».. العلاقة أن السودان لديه بعض الحسابات الرسمية «لحكومة السودان».. ومن ثَمَّ ربما يمكنهم المساعدة في تقديم معلومات)..!! { تصريح المعتوه «أوكامبو» أعلاه يكفي وحده لدحض كل الفرية.. الأموال ليست في بنك «لويدز».. العلاقة أن السودان لديه حسابات رسمية... و... و...!! { لكن المشكلة ليست في «أوكامبو».. فهو يؤدي مهمته بهمِّة وقلق زائد لتحقيق حلمه بالقبض على «البشير».. ولا في (العبريَّة) أو (القطرية).. فأجندتهما معلومة ومفهومة.. المشكلة تكمن في حكومتنا وإعلامها الهزيل.. وغياب أية (بصمة) لمفكَّر أو منظِّر في معالجات هذه الأيام (المرتجلة). { لاحظوا (الهرجلة) التي صاحبت معالجة الحكومة في قضية «ڤيديو الفتاة». { انظروا إلى التسابق نحو الفضائيَّات لنفي ما ورد في وثيقة أوكامبو حول مليارات «البشير» الوهمية..!! { عزيزي الدكتور كمال عبيد: أنا وغيري ملايين لم يشاهدوا يوماً وزير الإعلام السوري يتحدث على الهواء بقناة «الجزيرة».. حتى عندما انتحر وزير الداخلية السوري الأسبق «غازي كنعان» في مكتبه عام 2005م..!! وهل من حدث جلل أكبر من هذا؟! ولم نرَ وزير الإعلام اللبناني على شاشة (الجزيرة) مع كل توترات الساحة اللبنانية.. ولا المصري.. ولا المغربي.. ولا التونسي.. ولا الأردني.. ولا اليمني طيلة أيام حرب الحوثيين.. لم نشاهد وزير الإعلام الموريتاني.. ولا الليبي.. ولم نشاهد وزير الإعلام (الإسرائيلي).. مع أن (الجزيرة) و(العربيَّة) سعتا إليه كثيراً.. لكنهما لم تظفرا إلا بصغار المتحدثين في وزارتيْ الخارجية.. أو الدفاع.. أو محللين من الصحف الإسرائيلية..!! { لماذا يهرول (وزراؤنا) إلى مكاتب (الجزيرة) في «الخرطوم».. وهم يظنُّون أنهم يُحسنون صُنعاً.. وأنهم يترافعون بقوة وبالتالي يوقفون الزحف..!! { الزحف مستمر.. ولن يتوقف بالتخندق في خانات (الدفاع).. { لابد من (الهجوم) لإلهاء المهاجمين (الدوليين) الذين يلعبون بخبرات ومهارات دولية واحترافية عالية. { في قضية «ڤيديو الفتاة» كانت الحكومة بكافة أجهزتها في خانة الدفاع.. ولعبت بعض الصحف حتى المحسوبة على الحكومة دور (الموصل الجيد) لحرارة الحملة. { وفي رواية «أوكامبو» المختلقة في «ويكيليكس»، التي نفاها بنفسه أمس، عندما تحدث عن حسابات الحكومة (الرسمية)، تراجعت الحكومة أيضاً إلى خانة الدفاع..!! { وعندما يتراجع كل الفريق إلى الوراء.. ويتكتل داخل (خط 18).. فإن الخصم سيجد الفرصة لا محالة لإحراز هدف.. فالهجوم هو خير وسيلة للدفاع. { ما هو الهدف من وراء كل هذه (الهجمات) (المحلية) و(الخارجية) هذه الأيام؟! { الهدف هو شغل الحكومة (في نفسها) وتشتيت انتباه الرأي العام السوداني للتغطية على (تزوير الاستفتاء) وفصل الجنوب عاجلاً.. بينما الحكومة مشغولة ومنهكة في الرد على الهجمات والترافع لدى الفضائيات. { وبعد تنفيذ (عملية بتر الجنوب).. ستجد الحكومة (في الشمال) أنها محاصرة من كل الاتجاهات.. استهداف الرئيس البشير في ذمَّته والطعن في شرعيته وهو يمثل رأس الرمح في النظام بجماهيريته الواسعة وقيادته للمؤسسة العسكرية.. ثم الطعن في نائبه الأستاذ «علي عثمان» داخلياً وتحميله أوزار «نيفاشا».. ثم محاصرة القوى السياسية المعارضة وإلحاحها في مطلب تشكيل (حكومة قومية).. ثم التضييق الاقتصادي وارتفاع سعر الدولار مقابل الجنيه استناداً إلى تداعيات المشهد (السياسي) وليس (الاقتصادي) ثم... ثم...!! { إذن، كيف يكون الخروج من هذا الحصار المستمر الذي سيتواصل خلال الأيام القادمة.. إذا استمر وضع الحكومة على هذا المنوال؟! { الحل في رأيي بالتقدم من خانات الدفاع إلى مواقع الهجوم ومحاولة إحراز أهداف في مرمى (الخصم) المتمكن. { الحكومة تحتاج إلى (خبطة) سياسية أو عسكرية (داوية).. تشغل بها الرأي العام المحلي والدولي.. عدة أسابيع. { و(الخبطة) لا تكون بتوقيع اتفاق جديد مع مجموعة «التجاني السيسي» في الدوحة.. ولا في افتتاح طريق.. أو جسر.. أو سد.. ولا في إصدار بيان كبيان الحكومة الضعيف «أمس». { كما أن (الخبطة) لا تكون بإجراء الاستفتاء في موعده.. لأنه سيكون (خبطة) على رأس الحكومة.. إذ سيتفرغ (اللاعبون الدوليون) من بعد ذلك لمطاردة الرئيس «البشير» واستهدافه في (شخصه).. وقد بدأ عرض الفيلم بالفعل بنشر وثيقة «ويكيليكس» سالفة الذكر. { لقد كنتُ أفكر لمدة شهرين ليلاً.. ونهاراً في (خبطة) تخرج بها صحيفة (الأهرام اليوم) في عددها الأول.. وما أن وجدتها حتى ظللتُ أُداري عليها أسبوعين كاملين.. ولم يعلم بها أحد من هيئة التحرير إلاَّ قبل دقائق من إرسال الصحيفة إلى المطبعة.. وكان الخبر الخبطة (ظهور زوجة ثانية للرئيس نميري).. وانطلقت الصحيفة.. وتركت الصحف الأخرى.. والرأي العام يتابع من بعد ذلك قضية السيدة «روضة جوان» وإلى يومنا هذا..!! { الرئيس البشير يحتاج إلى أن يخرج من (الدائرة المغلقة) من المعارف والمستشارين ويستدعي مجموعة (مختلفة) من مفكِّري وعلماء ومثقفي هذا البلد.. وليس بالضرورة أن يكونوا من أعضاء «المؤتمر الوطني».. { دائرة مختلفة للتفكير.. والتفكير العاجل.. لتغيير المشهد.. وإلاَّ... { اللهم احفظ هذا البلد آمناً.. سخاءً رخاءً.. وسائر بلاد المسلمين.