هي مكان للجوع والفقر والمرض والفساد قارة الأنظمة الديكتاتورية والانقلابات العسكرية وفساد الحكام مستنقع للايدز والسرطان والدرن وأرض خصبة للأوبئة تمهلوا بقيت عبارات أخرى هي بلا أمل وميئوس منها» بأقسى من ذلك كله وأشد منها تفاجأ مشاهدو قناة الجزيرة الرياضية وهم يتابعون النقل المباشر الحي للمباراة النهائية لبطولة أندية كأس العالم التي أقيمت باستاد مدينة زايد بأبوظبي بين «مازيمبي الكنغولي وانتر ميلان». بدأت المباراة بهجوم لاذع وغريب من مذيع قناة الجزيرة الرياضية على إنسان القارة السمراء الذي وصفه بالجهل والتخلف، ثم مضى في حديثه الأكثر وجعاً وكلما سنحت له الفرصة للحديث عن القارة السمراء ذكّر المشاهدين بالمصير المظلم الذي ينتظر إنسانها. تناسى مذيع قناة الجزيرة الرياضية أحداث المباراة التي كانت بين مازيمبي الكنغولي وانتر ميلان منساقاً وصابَّاً شلالات غضبه على قارة الجوع كما قال ومتحسراً على غياب الأندية العربية من هذا العرس العالمي لأندية أبطال العالم مفتقداً أندية شمال أفريقيا، الترجي وشبيبة القبائل، وظل يردد أن أفضل مركز كان الثالث الذي شغله النادي الأهلي المصري، متجاهلاً مازيمبي الكنغولي عندما حل ثانياً في بطولة هذا العام ممثلاً لأفريقيا بعد أن خسر النهائي أمام أنتر ميلان في غياب الأندية العربية، عندما تألق صمويل إيتو كنجم للمباراة. ظل يردد باستمرار أن إيتو كان مثله الأعلى رابح مادجير. وراعي الغنم في الخلا يعلم أن ما بلغه إيتو، الذي فاز أكثر من مرة بلقب أفضل لاعب في أفريقيا، لا يمكن مقارنته بأي لاعب أفرزته الأندية العربية. التحيز الأعمى للمذيع الكعبي المشجع لانتر ميلان أفقده صوابه وموضوعيته طوال زمن المباراة فانصرف للإساءة للقارة الأفريقية التي هي قدمت على مستوى كرة القدم وجهاً مشرقاً واحترف عمالقتها بالأندية الأوروبية مثل إيتو ودروغبا وصاروا نجوما في كبريات الدوريات الأوروبية. ما صاحب المباراة من تعليق أفسد تماماً علينا متعة الاستمتاع بها. وأعتقد أن أمراً كهذا سيتوقف عنده عقلاء شبكة الجزيرة خاصةً وأن المذيع قد أطلق لقب «الغربان» على أبطال فريق مازيمبي الذي حقق إنجازاً غير مسبوق بحصوله على المركز الثاني في بطولة أندية العالم. وعلى سعيد الكعبي وكنيته أبو فيصل معلق إماراتي يعمل في قناة الجزيرة الرياضية علق على كثير من مباريات الدوري الإيطالي والإسباني وهو يعد من المعلقين البارزين في الجزيرة، كما أن الجمهور العربي يفضل هذا المعلق على غيره لأسلوبه عالي الدقة في التعليق، كما أنه من عشاق نادي انتر ميلان. ما حدث يعد أمراً مؤسفاً لأنه يمثل مرتعاً خصباً لإحياء العنصرية التي بدأت تطل بأنفها في ملاعب كرة القدم. فالجمهور الأوروبي تصرف بذات الطريقة مع اللاعبين ذوي البشرة السوداء أمثال إيتو نجم الكميرون عندما كان لاعباً ببرشلونة وتطور الأمر حد فرض عقوبات من الفيفا على الأندية الأوروبية وصعّد بلاتر رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم من تلك الحملة واصفاً عنصرية الملاعب بأنها سخافة. لكن الأمر لم يقف عند حد مطالبة عيسى حياتو رئيس الاتحاد الأفريقي لكرة القدم المجتمع الأوروبي بإنقاذ اللعيبة الأفارقة قائلاً إن القارة كسبت معركتها ضد نظام التمييز العنصري في جنوب أفريقيا لكن كفاحها ضد العنصرية لم ينتهِ بعد. لكن الذي يحدث الآن أن العنصرية عادت بصورة فاضحة على أرضية التعليق الرياضي «العربي» وفي مؤسسة محترمة كشبكة الجزيرة الرياضية. { من المحرر: هذا المقال الرائع بقلم الأخ الأستاذ سيف الدين حسن المخرج التلفزيوني الأشهر. أخي سيف الدين من بين «دم الأفرقة وفرث العروبة» خرج السودان متنازع الهوية، وتكمن أزمتنا بعد تقرير المصير بأننا سنفقد «مقعد أفضل الأفارقة» لنكسب مقعد «أسوأ العرب» بمعايير معلق الجزيرة. وإنها يا سيدي «شبكة الجزيرة» التي ترى الشوك في الورود وتعمى أن ترى فوقها الندى إكليلاً.. ولا عزاء.