{ إنَّه الشتاء.. تحت (بطاطينكم) الثقيلة ننعم بالدفء فيه.. بعد تناولنا الساخن من الطعام والشراب.. ونتآنس في ليله الطويل.. بينما خارج أسوارنا.. في (خيراننا).. الباردة.. برفقة نفاياتنا ومياهنا الآسنة.. يرقد طفل أو صبي أو حتى صبيَّة.. يفترش التراب ويلتحف صرير الرياح الباردة.. جائعاً.. شبه عارٍ.. إلا من ملابس مهترئة تغطي عورته لتكشف عورة المجتمع..!! لكن أكثرنا لا يهتم.. فهو (مجرَّد مشرَّد)..!! { إنَّه مشهدٌ (واقعيٌ) يتكرَّر أمام أنظار كل فئات المجتمع، في كل فصول السنة، لكنَّه في الشتاء أقسى.. وأمرُّ من غيره.. فماذا يضيرنا إذا تعهدنا مشرَّداً بكساء.. أو طعام.. ولو من فضل ملبسنا ومأكلنا - وإن قلَّ..؟ ماذا يضيرنا إن وسَّعنا من دائرة اهتمامنا قليلاً لتشمل من هم في محيطنا القريب.. وسيسألنا الله يوم القيامة لمَ لمْ ننفق من مال الله في ضعاف خلق الله.. { إنَّ المشرد اختبار.. وامتحان لإنسانيتنا.. وإيماننا.. فلننفض من أحاسيسنا هذا البرود الاجتماعي الذي أصاب معظمنا.. حتى صرنا ننتظر حل كل مشكلة خارج منازلنا، من الحكومة.. وكلُّ من يرى مشرَّداًَ ينتقد عدم اهتمام الدولة.. وهذا أحسبه من مداخل الشيطان والنفس الأمَّارة بالسوء.. وأسأل: منذ متى كان التكافل والتراحم صفتان حكوميَّتان..؟ ألا نخدع أنفسنا بذلك؟ ألم يأمر النبي - وهو يومها رأس الدولة - بالبر والتراحم والتكافل بين أفراد المجتمع؟ { نعم.. للدولة دور لا نبرِّئها من التقصير فيه.. لكن ما يهمُّنا دور المجتمع.. فالجائع والعاري مسؤوليتنا.. مادمنا قد علمنا به في محيطنا الاجتماعي.. والمشرد قنبلة موقوتة تنفجر في وجوهنا نحن.. وليس في وجه الحكومة.. فهو عندما يتضور جوعاً ويرانا نأكل.. لن يحس بالضغينة إلا تجاهنا.. وعندما يرتجف برداً ولا يجد من يتفضل عليه ببعض فائض ملابسه.. لن يكره - بالتأكيد - إلا من يراهم أمامه.. وعندما ينحرف - وسيفعل بالتأكيد - لن يضر الحكومة.. وسنكون نحن ضحيته المباشرة.. { إنَّها دعوة للتراحم.. بالمتاح.. ولا يقولنَّ أحدكم (هو نحنا قادرين ناكل؟) لأنَّه يكون حينها كاذباً.. فهو يأكل.. ولو القليل.. لكنَّه الشيطان يدخل علينا من هذا الباب ليمنعنا من فعل الخير.. وإلاَّ فأين الإيثار؟ ألا يعني أن نعطي شيئاً ونحن نحتاجه - ربما - أكثر من السائل.. ألا نقرأ قوله تعالى: (وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ). { فلنبادر بخطوة خيِّرة نرجو ثوابها من الله، ونتجه إلى المشرَّدين في محيطنا ونتبرع لهم بملابس وطعام.. ونجتهد أن نفعل ذلك كلما وجدنا فرصة.. ليحس المشردون بأنهم منَّا.. وأننا لا نمارس طبقيَّة اجتماعيَّة مؤذية تجاههم.. ولنتتجاوز عن تصرفاتهم التي نراها غير لائقة.. ونجد لهم العذر.. ولنتخيَّل أنفسنا يوماً بلا مأكل.. بلا ملبس.. بلا مأوى.. حينها نحسُّ ما يحسُّ به المُشرَّد. { أخيراً فلنتذكَّر أنَّه (مُشرَّد) - بضم الميم - أي مبنيٌّ تشرُّده للمجهول لغويَّاً.. لكن اجتماعيَّاً كلنا نعلم فاعل تشرُّده.. إمَّا نتيجة نزوة أحدنا وإحدى فتياتنا.. أو أسرة تفككت بعدم مسؤولية الوالد أو الوالدة - ولا أقول الأب أو الأم - فهو ليس نبتاً شيطانياًَ، ولم تنجبه المجاري التي ترعرع فيها.. فلنكفِّر عن خطايا بعضنا عسى أن يرحمنا الله. محطات { تجتمع المحطات اليوم كما اجتمعت الفرح والألق والإبداع في عيد واحتنا «الأهرام اليوم» التي نفاخر بها في عيدها الأول، آملين أن يوفِّقنا الله وتمضي دائماً إلى الأمام.. والتحيَّة هنا لكل من سكب جهداً صادقاً بضمير حي لرفعة مؤسَّسته الشامخة دوماً بإذن الله.. وكل عام و«الأهرام اليوم» عند حسن ظن قرائها الأعزاء.