عندما يُخطئ أحد في (حق) إسرائيل أو حتى عندما يُطلق تصريحاً أو ينتهج سياسة تتعارض مع المصلحة الإسرائيلية، فإنه يُجبر على الاعتذار أو يضطر إليه.. وعندما تُخطئ إسرائيل وما أكثر أخطائها، فإن الخطأ أو الإساءة أو العدوان يمر مرور الكرام. وإسرائيل مثلاً ما زالت حتى الآن ترفض أن تعتذر لتركيا بعد أن قتلت تسعة أتراك على متن الباخرة مرمرة في البحر الأبيض المتوسط التي كانت تحمل مساعدات إنسانية للمحاصرين في قطاع غزة. وما زال وزير خارجية إسرائيل اليميني العنصري المتغطرس ليبرمان يُطلق التصريحات المسيئة النابية ذات اليمين وذات اليسار، ولو طُلب منه أن يعتذر لرفض ولن يجبره أحد على الاعتذار. فقد وصف السياسي المحترم رجب طيب أردوغان رئيس وزراء تركيا بأنه كذّاب وقال إن السلطة الوطنية الفلسطينية التي يقودها الرئيس محمود عباس أبومازن ليست شرعية .. الخ ولم يطالبه أحد بالاعتذار! وصحيح أن الفلسطينيين ردوا عليه وأن هناك داخل إسرائيل من طالبوا باستقالته قائلين إن صورة إسرائيل في العالم الخارجي لن تتغير ما لم يغادر ليبرمان وزارة الخارجية وهو لن يبقى إلى الأبد وزيراً للخارجية لكنه لن يعتذر.. أما الآخرون فليس أمامهم سوى الاعتذار للدولة الشاذة المدلّلة المزروعة في قلب العالم العربي. وكان أحدث المعتذرين هو السياسي المحنّك .. الأستاذ الجامعي الكاتب هنري كيسنجر مستشار الأمن القومي في عهد الرئيس ريتشارد نيكسون وزير الخارجية في السبعينيات، وكان واحداً من أشهرهم وربما أكفأهم. وهو مِن (عِندهم) فأصله يهودي وجاء في نقاش مسجّل بين الوزير كيسنجر والرئيس نيكسون يرجع تاريخه إلى عام 1973م أن الأول قال للثاني (إن هجرة اليهود من الاتحاد السوفيتي ليست من أهداف السياسة الأمريكية الخارجية، وحتى إذا ما ألقى السوفيت باليهود في غرف الغاز فإن ذلك لا ينبغي أن يكون من اهتماماتنا). وقامت الدنيا الإسرائيلية ولم تقعد، مما اضطر السياسي العجوز (87 سنة) إلى الإعتذار في مقال نشرته جريدة (ذي واشنطن بوست) الأمريكية جاء فيه :(إنني آسف على ذلك الذي صدر مني قبل 37 سنة)! وقد اشتهر كيسنجر الذي هرب طفلاً من موطنه ألمانيا جراء الاضطهاد النازي لليهود إلى الولاياتالمتحدة ليكد ويجتهد ويتعلّم ويُثابر ويتفوّق ويصبح أستاذاً جامعياً، ثم وزيراً للخارجية. واشتهر إبّان قيادته للدبلوماسية الأمريكية برحلاته المكوكية بعد حرب أكتوبر 73 بين القاهرة والقدس ودمشق وعمان وواشنطن مما أفضى إلى اتفاقات فض الاشتباك بين الجيوش المتحاربة، ويرى البعض أن ذلك مهّد أو أسهم في الوصول إلى اتفاق كامب ديفيد عام 78 ومعاهدة السلام المصرية الإسرائيلية في 26 مارس 1979 التي وقّعها في الولاياتالمتحدةالأمريكية الرئيس المصري أنور السادات ورئيس الوزراء الإسرائيلي مناجيم بين تحت رعاية الرئيس الامريكي جيمي كارتر وقد نال الزعيمان المصري والإسرائيلي نتيجة لذلك جائزة نوبل للسلام. ومن اللافت أن الاثنين في شبابهما كان يجنحان للإرهاب فقد أتهم الشاب السادات باغتيال امين عثمان اما بيجن فقد كان إرهابياً محترفاً وما أكثر فظاعاته.