{ في ساعة تأمُّل وتحسُّر حزينة، أمسك الأخ الأستاذ «محمد وداعة» القيادي بحزب (البعث) العربي الاشتراكي بالقلم ورسم خريطة السودان (الشمالي)، بعد أن اقتطع منها مساحة (الجنوب)، فإذا بابنه الصغير «خالد»، يطالع الخريطة بتعجب بائن، ودهشة صارخة، وبراءة ناطقة وهو يقول لوالده: (يا بابا.. خريطة السودان دي.. قرمها كلب؟!).. { لم يستطع «وداعة» أن يجاوب.. اكتفى بالصمت النبيل، غير أننا نجاوب إنابةً عنه: نعم يا صغيري.. قَرَمتْها كلاب.. وليس كلباً واحداً..!! كلاب متوحشة وضالة، هجمت على بلادنا بليلٍ بواجهات ولافتات مختلقة، فاقتطعت (رُبع) مساحتنا.. و(خُمس) شعبنا.. ثم وعدتنا بحوافز.. ومكافآت..!! وهل من حافز مهما بلغ يساوي قيمة هذه الخسارة التاريخية الفادحة..؟! إنَّ القلب ليحزن.. وإنَّ العين لتدمع.. وإنَّا لفراقك يا (جنوب) لمحزونون. { اقرأوا معي الرسالة التالية التي وصلت إلى هاتفي النقال أمس: («تريزا».. و«شول».. أم وابنتها تعملان عند أهل زوجتي منذ سنين. سافرتا اليوم إلى الجنوب، وكان الوداع حاراً لدرجة البكاء الحارق من كلا الطرفين، حتى زوجتي البعيدة عنهما صارت تنخرط في البكاء بين كل لحظة وحين. زوجتي الطبيبة تطلب منك الخطاب مُوجَّه إلى صاحب الزاوية أن ترجو حكومة الجنوب أن يعاملوهما معاملة طيِّبة)..!! انتهت الرسالة. { وأرجو أن يطَّلع السيد الفريق «سلفاكير ميارديت»، رئيس حكومة الجنوب، على هذه الرسالة عبر الإنترنت لأنه كان قد وجَّه قبل ثلاثة أشهر بمنع توزيع (الأهرام اليوم) في الجنوب انتقاماً لذاته (الرئاسية)..!! { بكت «تريزا».. وبكت «شول».. وبكت الدكتورة.. وأمّها.. وأهلها.. وبكى «نافع علي نافع».. و«إبراهيم غندور».. و«إخلاص قرنق».. ثم بكى الآلاف في الشمال وهم يسمعون خطاب الرئيس «البشير» في جوبا الثلاثاء الماضي.. خطاب الوداع.. وبكيتُ أنا.. هنا مع هذا السطر.. وتوقفت عن الكتابة لدقائق. { فمتى يبكي «سلفاكير ميارديت» و«رياك مشار» و«جيمس واني».. ومتى يبكي «الطيب مصطفى» وصحبه ومتى يبكي «باقان أموم» الذي أدمع فرحاً بنشيد الدولة الجديدة.. ثم أنكر لاحقاً أنه فعلها..!! { نحن لا نبكي لأن طموحاً (ذاتيّاً) أو (حزبيّاً) لم يتحقق.. ولكننا نبكي وطناً مزّقته الكلاب (الأجنبيّة) بقواطع (محليّة).. ومازالت تبحث عن قطعة أخرى في خريطة البلاد لتنزعها.. وتمزقها.. وفي صفوفنا مَنْ يُرحب.. ومن يُصفق.. ومن يُمهِّد..!! { بعد غدٍ.. يتوجَّه الإخوة الجنوبيون إلى صناديق الاقتراع للاستفتاء على تقرير مصيرهم.. والجميع يؤكد أنهم سيختارون الانفصال.. الجميع سلَّم بالنتيجة.. لكننا لن نُسلِّم أبداً بتزوير الإرادة وتزييف النتائج.. حتى ولو سلَّمت الحكومة.. فلتفعل ما تريد.. فإن الله يفعل ما يريد.. { ابكوا.. واذرفوا الدموع أنهاراً.. إذ لا نملك غير دموعنا.. وحروفنا.. فالمصير بيد آخرين.. لا بيدنا.. المصير بأيدي (الأجانب).. لا بيدنا. { ولا حول.. ولا قوة إلاَّ باللَّه.. قاهر الجبَّارين.. الأحد.. الصمد.