ما زالت الحركة الشعبية لتحرير السودان تمارس ضغوطاً وقمعاً للحريات على أي شخص أو جهة أو حزب يدعو إلى الوحدة، ف(الحركة) رغم ما يبدو على السطح من أنها تلملم النسيج الجنوبي بإقامة مؤتمر للحوار مع القوى الجنوبية السياسية المعارضة، ومفاوضات للصلح قبل أيام مع معارضيها العسكريين؛ إلا أنها في الحقيقة لا تسمح بأي صوت يعلو فوق صوت الانفصال، حتى أضحت الأصوات الوحدوية لا تستطيع أن تعلن عن توجهها جهراً؛ خوفاً من البطش، حتى على مستوى الأفراد..!! كما يشير إلينا بذلك أحد المصوتين اليوم، الذي أكد أنه من المؤيدين للوحدة، طالباً عدم الزج باسمه في أية مادة إعلامية خوفاً من تبعات المسألة. في السياق يبرز داخل الحركة الشعبية تيار يريد أن يُظهر أن الجنوب قادر على الوحدة بين أبنائه، وأن (الحركة) في استطاعتها تحقيق ذلك، وقام هذا الفريق بالوساطة مع جورج أطور؛ الخارج على الجيش الشعبي، ووقع ممثل له مع د. رياك مشار؛ نائب رئيس حكومة الجنوب قبل أيام على اتفاق يقضي برجوعه إلى الحركة الشعبية. أطور بعدما أعلن موافقته على الاتفاق إلا أنه أدرك بعد أيام أن الأمر غير جاد من جانب (الحركة)، وأكدت مصادر لنا من داخل (الحركة) - فضلت حجب اسمها - أن الاتفاق يعتبره أتباع سلفاكير لصالح (مشار)، ومن المعروف أن صراعاً خفياً يدور بين القائديْن حول مستقبل رئاسة الكيان، يرجح المراقبون أن يبرز عقابيل الانفصال. القوى السياسية الجنوبية تجاري - من جانبها - الحركة الشعبية على مضض لحساسية الظرف، ولتأكدها أن الانفصال قادم لا محالة، وفي هذه الحالة ليس لديهم سوى الجنوب ملجأ، ولذلك تقبل كل دعوات (الحركة) للحوار، وهي متأكدة من أنه سياسة تكتيكية من جانب (الحركة) تريد أن تعبر بها الاستفتاء، حتى تظهر للعالم كله أن الدولة الجديدة متماسكة. من جهتها كشفت مصادر من حاضرة الجنوب أمس ل (الأهرام اليوم) أن مفوضية الاستفتاء بجوبا كانت تنوي عقد لقاء بين الحركة الشعبية ومعارضيها من الأحزاب السياسية في وجود وسائل الإعلام، تعكس من خلاله فرضية الوحدة الجنوبية للعالم في هذه الأيام الدقيقة من تاريخه، إلا أن المعارضة لم تجار هذا الطرح، واتهمت (الحركة) بالاضطهاد والمنع، وما كان على القائمين على اللقاء إلا حجبه وعدم إقامته. قائد جنوبي بارز من الذين تولوا سدة الأمور في المركز في فترات متفاوتة من عمر السودان، اتصلنا عليه للتعليق حول الأمر، فرفض الحديث، وعند سؤاله عن الأوضاع والحريات بالجنوب مع الاستفتاء؛ قال: «أنا معكم بالشمال، ولا أعرف ماذا يجري بالجنوب»، في إشارة إلى مآخذ كبيرة يختلف فيها مع الحركة الشعبية، إلا أنه يحاول أن يبقي شعرة ود معها بعد توليها مقاليد الأمور في الدولة الجديدة، كما رفض القائد الجنوبي الإعلان عن هل هو مع الوحدة أم الانفصال؟ قائلاً إنه سيدلي بصوته اليوم في الخرطوم لأنه سجل فيها. على صعيد مواز قال أفراد من طائفة (شهود يهوه) بالجنوب إنهم يتعرضون في بلدة صغيرة في جنوب السودان لمضايقات، وأنهم طردوا وأحرق مكان للعبادة يخصهم بعد أن اتهموا بأنهم طلبوا من الناخبين مقاطعة الاستفتاء على الانفصال. وبحسب أعضاء في الطائفة - وهي أقلية مسيحية صغيرة - أن مجموعتهم اتهمت دون وجه حق بمنع أتباعها من المشاركة لاعتبارات دينية في الاستفتاء الذي يجري اليوم. وقال تبان جامبا ليمي؛ أحد أفراد (شهود يهوه) الذي يقيم بجوبا، أنه «في ساعة متأخرة من يوم الجمعة اتهمت حكومة الجنوب أشقاءنا هناك بأنهم يتنقلون من بيت إلى بيت طالبين من الناس عدم تسجيل أنفسهم وعدم التصويت»، وأضاف: «إنها مجرد ادعاءات والحكومة أخذتها مأخذ الجد. بالنسبة ل(شهود يهوه) فإن كل فرد مسؤول عن أن يصوت أو لا يصوت. لا نملي على (شهود يهوه) جميعهم عدم التصويت». وكانت الشرطة في يامبيو بغرب الاستوائية الجنوبية قد اعتقلت اثنين من أعضاء الجماعة، ثم أفرجت عنهما في وقت لاحق من ديسمبر الماضي، فيما أحرقت دار عبادة مطلع يناير الجاري على (أيدي محليين... حرضتهم الحكومة) على حد قول ليمي، مضيفاً أن أعضاء (شهود يهوه) الكينيين طردوا من المنطقة وأعلنت الحكومة المحلية من خلال الإذاعة حظر جميع أنشطة الجماعة في الولاية. وكان مراقبون دوليون من مركز كارتر قالوا في بيان الشهر الماضي إنهم «يشعرون بقلق من أن الخطاب الترويعي السائد في ولاية غرب الاستوائية موجه إلى طائفة (شهود يهوه)»، ودعا المركز كافة الأطراف في غرب الاستوائية إلى احترام حق جميع الأفراد في المشاركة أو الامتناع عن المشاركة في عملية الاستفتاء. من ناحية أخرى أكدت مارى إيزاك؛ ممثلة مفوضية استفتاء جنوب السودان بالقاهرة، اكتمال الاستعدادات لإجراء عملية التصويت للجنوبيين المقيمين في مصر، التي ستبدأ صباح اليوم. وقالت إيزاك ل (الأهرام اليوم) إن عملية الاقتراع ستنطلق في ثلاثة مراكز بمناطق المعادي، عين شمس، ومدينة نصر، حيث سجل حوالي (3452) شخصاً من الجنوب في مصر. موضحة أن بطاقات التصويت وصلت عن طريق منظمة الهجرة الدولية، وأن المفوضية قامت بكافة ترتيبات عملية الاقتراع ونقل أدوات التصويت من سجلات وبطاقات إلى مراكز التصويت، وتقديم المشورة في مجال التنظيم وحفظ الأمن، وتدريب موظفي محطات الاقتراع على إدارة عملية التصويت، مضيفة أن فترة الاقتراع ستكون من الساعة العاشرة صباحاً حتى الساعة السابعة مساء، مبينة أن الحركة الشعبية والمؤتمر الوطني بالقاهرة تقدما بلائحة تضم أسماء مراقبين لهما بجانب المنظمات والهيئات والصحفيين لرصد هذه العملية التي ستستمر أسبوعاً كاملاً ابتداءً من اليوم. ونفت إيزاك وجود أي تزوير في بطاقات الاقتراع، بعد انتشار الشائعات مؤخراً عن وجود بطاقات غير مطابقة للمواصفات ومزورة. وبالنسبة لتأمين مراكز الاقتراع الثلاثة بالقاهرة، الكائنة بالمعادي وعين شمس ومدينة نصر، قالت إيزاك إن المفوضية ستتعاون مع الأمن المصري لتأمين عمليات الاقتراع، مثلما تؤمّن أي انتخابات محلية، وتوقعت أن تمر عمليات الاقتراع بنزاهة وحرية تامة في القاهرة، مشيرة إلى أن الناخبين قسموا إلى ثلاثة أقسام طبقاً للمادتين (25 و27) من قانون الاستفتاء، وهما: ناخبون يحق لهم التصويت في أي مركز للاقتراع في الشمال والجنوب، وناخبون يحق لهم التصويت في الجنوب فقط في أي مركز، ما دامت أسماؤهم مقيدة بسجل الناخبين الذي أعدته مفوضية الاستفتاء، وناخبون يحق لهم التصويت في المراكز التي سجلوا بها، مع سماح السلطات بحرية التنقل للناخبين وعدم تقييدها بين الولايات للتصويت، معلنة أن نتيجة الاستفتاء ستعلن مساء يوم 15 يناير الجاري بعد إجراء عمليات العد والفرز بعد انتهاء موعد التصويت لمدة أسبوع إلى أسبوعين، وفي الخارج من مدة يوم إلى يومين في نفس مراكز التصويت، وسوف تعلن النتيجة لكل مركز داخله وتعلق نسخة منها فيه، وتبلغ إلى لجان الانتخابات في المقاطعات وتجمع في كل ولاية وتبلغ بصورة تفصيلية وإجمالية إلى مقر المفوضية بالخرطوم ومكتبها بالجنوب. وبالنسبة لمراقبي العملية في مصر قالت: «تم استخراج عشرين تصريحاً للمراقبة لهم بمعدل عشرة تصاريح لكل مؤسسة لوجود (3) مراقبين بكل مركز ومنسق رئيسي لهم، كما تشارك جمعية أبناء جبال النوبة في مصر في مراقبة الاستفتاء، وسمحت مفوضية الأممالمتحدة للهجرة التي تتولى تنظيم إجراءات الاستفتاء في دول المهجر ومنها مصر بإصدار تصاريح لوسائل الإعلام المصرية وللمراقبين السياسيين عن الأحزاب السودانية الموجودة في مصر بمعدل (3) تصاريح في كل مركز للحزب. من جانبه قال رئيس مكتب المؤتمر الوطني في القاهرة د. وليد السيد ل (الأهرام اليوم) إن حزبه وبالتعاون مع قطاع الجنوب في الحزب ولجنة دعم الوحدة سيظلون متعاونين لتحقيق الوحدة حتى في اللحظات الأخيرة، ولكن إن كانت النتيجة هي الانفصال حسب رغبة الجنوبيين، فإن الحزب سيحترم ذلك القرار، مؤكداً أن الانفصال سيكون جغرافياً أكثر من كونه وجدانياً. وأضاف رئيس مكتب الحركة الشعبية لتحرير السودان بالقاهرة نصرالدين موسى كوشيب ل(الأهرام اليوم) أن الحركة الشعبية ترى أن باستفتاء جنوب السودان سيصل الجنوبيون إلى تحقيق مصيرهم، وبعدما تنتهي من ذلك ستلتفت إلى بقية المناطق التي لم تتم تحرُّرها إلى الآن، مؤكداً جاهزية حزبه لمراقبة هذه العملية التاريخية في القاهرة.