بالنسبة لحوالي (4) ملايين جنوبي مسجّل داخل وخارج السودان، حمل يوم أمس، التاسع من يناير، في رحم المجهول مضغة في انتظار أن يكتمل تخلقها، لتنجب دولة جديدة في جنوب السودان، بعد عملية مخاض عسير بدأت بالحرب بين الشمال والجنوب لما يفوق الخمسين عاماً، جاءت نهايتها بتوقيع اتفاقية السلام الشامل في نيفاشا بكينيا، ليبدأ ملايين من سكان جنوب السودان أولى خطوات الطريق نحو الدولة الجديدة، التي ينتظر ميلادها بعد أن أعلن المتحدث باسم مفوضية الاستفتاء؛ جورج ماكير، أمس أن كل مراكز الاقتراع في جنوب السودان فتحت أبوابها أمام المشاركين في الاستفتاء لتقرير مصير الجنوب، بالشمال والجنوب، لتبدأ عملية الاستفتاء التي تنتهي في الخامس عشر وتستمر سبعة أيام، بعد أن تشكلت طوابير كبيرة من الجنوبيين أمام مراكز الاقتراع منذ الساعات الأولى لانطلاقة العملية في الثامنة من صباح أمس (الأحد) وسط حركة عادية للمواطنين بالشمال، الذين تدافعوا كلٌّ نحو وجهته، فالعمال توجهوا إلى أعمالهم، والطلاب إلى مدارسهم وجامعاتهم، بعد تواتر الشائعات هنا وهناك عن عطلة للاستفتاء. أما الجنوب فاختار مواطنوه البقاء مستيقظين حتى الصباح لتقرير مصيرهم. { غوغل شاهداً!! الإقبال الكثيف جداً للناخبين على مراكز الاقتراع الذي أكده جورج ماكير، لم تغفل عنه وسائل الإعلام الأجنبية والمحلية، وكاميرات القنوات التلفزيونية والوكالات الأجنبية، حتى محرك البحث قوقل كان هو الآخر - إن لم يكن الأول لتعريف العالم بالحدث التاريخي في السودان- من أكبر الشهود على الحدث الذي أجمعت كل الأطراف في الداخل والخارج على وصفه بالتاريخي، حتى أن رئيس حكومة الجنوب الفريق أول سلفاكير ميارديت وصف بعد أن أدلى بصوته، اللحظة «بالمفصلية والتاريخية التي طالما انتظرها الجنوبيون»، والمتمثلة في الاستفتاء حول تقرير مصير الجنوب، لأكثر من ثلاثة ملايين و(754) ألف ناخب بجنوب السودان، و(120) ألف جنوبي بالشمال، الذي اتسم فيه اليوم الأول للاستفتاء بالبطء مقارنة مع الصفوف بالجنوب التي انتظم فيها المصوتون، ليس في ساعات الصباح فحسب، وإنما أغلبهم غالب نومه ليلاً ليكون حاضراً عند بداية عملية التصويت، وهو ما أكده وزير الإعلام بحكومة الجنوب بنجامين برنابا، بل إنه ذهب إلى أبعد من ذلك مبرئاً الحركة الشعبية وحكومة الجنوب من الاتهامات التي تكال لهما من هنا وهناك، وخاصة من قبل الأطراف الحكومية بالخرطوم، بأن الجيش الشعبي يمارس ضغطاً على الجنوبيين لحملهم على التصويت لصالح الانفصال، وقال بنجامين أمام عدسة إحدى الكاميرات مذكراً بكلمة رئيس حكومة الجنوب سلفاكير بأنه على الشعب أن يتحلى بالحماسة والصبر، وقال إن اصطفاف الجنوبيين شعور من الشعب نفسه وليس هناك ما أسماه (استعماراً) يدفعهم للتصويت، بل رغبة لديهم في تقرير مصيرهم. وفي مقاطعات الجنوب المختلفة وولاياته في ملكالوجوبا وواو وبور، اصطفت حشود كبيرة تقف في طوابير أمام مراكز الاقتراع، ففي أعالي النيل وبحاضرتها ملكال تدافع ما يزيد عن (352) ألف ناخب جنوبي نحو المراكز ال(142) المنتشرة في (13) مقاطعة، وبحضور أكثر من (30) مؤسسة مراقبة بما فيها مركز كارتر وبعثة الاتحاد الأوروبي مثلما في بقية ولايات الجنوب، مع انتشار كثيف للشرطة. { موت المفاجأة!! وسط احتفالات وفرق شعبية تجوب مراكز التصويت، أتى المصوّتون وهم يحملون لافتات تدعو إلى التصويت لصالح الانفصال، وسط مزاج عام سائد يؤيد الدولة الجنوبية المستقلة، مما يجعل نتيجة الاستفتاء تكاد تخلو من عنصر المفاجأة، فما إن يخرج المصوتون من مراكز الاقتراع إلا ويصدح من تلتقي به بأنه أدلى بصوته للانفصال، ولم يقف الأمر عند ذلك، بل تعداه إلى أن الكثير من المصوتين وإن كانوا قلة حملوا لافتات وشعارات حملت عبارات (باي باي خرطوم)، وأخرى بالإنجليزية تحمل معنى (إننا لا نريد وحدة مع الخرطوم)، وموت المفاجأة في اليوم الأول للتصويت لم يتوقف عند محطة المجاهرة بالتصويت للانفصال، فالأجواء التي اتسمت بالهدوء في العملية بالجنوب والشمال أرسلت رسالة ألجمت أصوات كل المراهنين على أن تسود العملية حالة من الفوضى والارتباك والشغب، حتى أن القيادي بالحركة الشعبية «قطاع الشمال» محمد المعتصم حاكم، وفي جولة قام بها مع بعض أفراد مفوضية الاستفتاء في مركز للتصويت بنادي كوبر الرياضي اعتبر أن مضي العملية في يومها الأول بصورة هادئة ومرضية بمثابة دحض لما راهن عليه الناس من حدوث أعمال عنف وتوتر، وهو ما جعل الرجل يراهن على أن يقود ذلك إلى إحداث الوحدة في الأيام المقبلة بين الشمال والجنوب بعد الحرية التي أتيحت للمواطنين، ويؤكد خط السودان الجديد والخط الديمقراطي الذي تبنته الحركة الشعبية، ويبشر بأن الوحدة قادمة، وهو ذاته ما دفع بعضو المفوضية د. سعاد إبراهيم عيسى لوصف التصويت في اليوم الأول بالمبشر والطيب، بعد أن كان يتوقع حدوث أعمال عنف وتوتر فيه. ومن مركز نادي كوبر المسجل به حوالي (1120) جنوبياً الذين يستهدف منهم (915) ناخباً، جاء التصويت ضعيفاً لليوم الأول، إذ أغلقت مراكز الاقتراع أبوابها في الخامسة من مساء أمس وحصدت صناديق المركز ما يقدر ب(35) صوتاً، مما جعل رئيس المركز محمد خير سيد يرجح أن تكون أسباب ضعف التسجيل إلى الطقس البارد الذي خيم على أجواء الخرطوم أمس، أو انتظار الناخبين للأيام المقبلة المتبقية للتصويت بحيث تبقت (6) أيام. في الأثناء سجل مركز الساحة الشعبية بالديوم بالخرطوم ما يفوق (70) صوتاً من أصل (417) شخصاً مستهدفاً وتوقع العاملون بالمركز والمراقبون ارتفاعها خلال الأيام المقبلة.