قبائل وأحزاب سياسية خسرت بإتباع مشروع آل دقلو    النصر الشعديناب يعيد قيد أبرز نجومه ويدعم صفوفه استعداداً للموسم الجديد بالدامر    المريخ يواجه البوليس الرواندي وديا    ريجي كامب وتهئية العوامل النفسية والمعنوية لمعركة الجاموس…    لجنة أمن ولاية الخرطوم: ضبطيات تتعلق بالسرقات وتوقيف أعداد كبيرة من المتعاونين    فاجعة في السودان    ما حقيقة وصول الميليشيا محيط القيادة العامة بالفاشر؟..مصدر عسكري يوضّح    "المصباح" يكشف عن تطوّر مثير بشأن قيادات الميليشيا    هجوم الدوحة والعقيدة الإسرائيلية الجديدة.. «رب ضارة نافعة»    هل سيؤدي إغلاق المدارس إلى التخفيف من حدة الوباء؟!    الخارجية: رئيس الوزراء يعود للبلاد بعد تجاوز وعكة صحية خلال زيارته للسعودية    الأمر لا يتعلق بالإسلاميين أو الشيوعيين أو غيرهم    الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يستقبل رئيس وزراء السودان في الرياض    شاهد بالفيديو.. فنانة سودانية تنفجر غضباً من تحسس النساء لرأسها أثناء إحيائها حفل غنائي: (دي باروكة دا ما شعري)    الخلافات تشتعل بين مدرب الهلال ومساعده عقب خسارة "سيكافا".. الروماني يتهم خالد بخيت بتسريب ما يجري في المعسكر للإعلام ويصرح: (إما أنا أو بخيت)    شاهد بالصورة والفيديو.. بأزياء مثيرة.. تيكتوكر سودانية تخرج وترد على سخرية بعض الفتيات: (أنا ما بتاجر بأعضائي عشان أكل وأشرب وتستاهلن الشتات عبرة وعظة)    تعاون مصري سوداني في مجال الكهرباء    شاهد بالصورة والفيديو.. حصلت على أموال طائلة من النقطة.. الفنانة فهيمة عبد الله تغني و"صراف آلي" من المال تحتها على الأرض وساخرون: (مغارز لطليقها)    شاهد بالفيديو.. شيخ الأمين: (في دعامي بدلعو؟ لهذا السبب استقبلت الدعامة.. أملك منزل في لندن ورغم ذلك فضلت البقاء في أصعب أوقات الحرب.. كنت تحت حراسة الاستخبارات وخرجت من السودان بطائرة عسكرية)    ترامب : بوتين خذلني.. وسننهي حرب غزة    أول دولة تهدد بالانسحاب من كأس العالم 2026 في حال مشاركة إسرائيل    900 دولار في الساعة... الوظيفة التي قلبت موازين الرواتب حول العالم!    "نهاية مأساوية" لطفل خسر أموال والده في لعبة على الإنترنت    إحباط محاولة تهريب وقود ومواد تموينية إلى مناطق سيطرة الدعم السريع    شاهد بالصورة والفيديو.. خلال حفل خاص حضره جمهور غفير من الشباب.. فتاة سودانية تدخل في وصلة رقص مثيرة بمؤخرتها وتغمر الفنانة بأموال النقطة وساخرون: (شكلها مشت للدكتور المصري)    محمد صلاح يكتب التاريخ ب"6 دقائق" ويسجل سابقة لفرق إنجلترا    السعودية وباكستان توقعان اتفاقية دفاع مشترك    المالية تؤكد دعم توطين العلاج داخل البلاد    غادر المستشفى بعد أن تعافي رئيس الوزراء من وعكة صحية في الرياض    تحالف خطير.. كييف تُسَلِّح الدعم السريع وتسير نحو الاعتراف بتأسيس!    دوري الأبطال.. مبابي يقود ريال مدريد لفوز صعب على مارسيليا    شاهد بالفيديو.. نجم السوشيال ميديا ود القضارف يسخر من الشاب السوداني الذي زعم أنه المهدي المنتظر: (اسمك يدل على أنك بتاع مرور والمهدي ما نازح في مصر وما عامل "آي لاينر" زيك)    الجزيرة: ضبط أدوية مهربة وغير مسجلة بالمناقل    ريال مدريد يواجه مرسيليا في بداية مشواره بدوري أبطال أوروبا    ماذا تريد حكومة الأمل من السعودية؟    شاهد بالصور.. زواج فتاة "سودانية" من شاب "بنغالي" يشعل مواقع التواصل وإحدى المتابعات تكشف تفاصيل هامة عن العريس: (اخصائي مهن طبية ويملك جنسية إحدى الدول الأوروبية والعروس سليلة أعرق الأسر)    الشرطة تضع حداً لعصابة النشل والخطف بصينية جسر الحلفايا    إنت ليه بتشرب سجاير؟! والله يا عمو بدخن مجاملة لأصحابي ديل!    في أزمنة الحرب.. "زولو" فنان يلتزم بالغناء للسلام والمحبة    إيد على إيد تجدع من النيل    حسين خوجلي يكتب: الأمة العربية بين وزن الفارس ووزن الفأر..!    ضياء الدين بلال يكتب: (معليش.. اكتشاف متأخر)!    في الجزيرة نزرع أسفنا    مباحث شرطة القضارف تسترد مصوغات ذهبية مسروقة تقدر قيمتها ب (69) مليون جنيه    من هم قادة حماس الذين استهدفتهم إسرائيل في الدوحة؟    في عملية نوعية.. مقتل قائد الأمن العسكري و 6 ضباط آخرين وعشرات الجنود    الخرطوم: سعر جنوني لجالون الوقود    السجن المؤبّد لمتهم تعاون مع الميليشيا في تجاريًا    وصية النبي عند خسوف القمر.. اتبع سنة سيدنا المصطفى    عثمان ميرغني يكتب: "اللعب مع الكبار"..    جنازة الخوف    حكاية من جامع الحارة    حسين خوجلي يكتب: حكاية من جامع الحارة    تخصيص مستشفى الأطفال أمدرمان كمركز عزل لعلاج حمى الضنك    مشكلة التساهل مع عمليات النهب المسلح في الخرطوم "نهب وليس 9 طويلة"    وسط حراسة مشددة.. التحقيق مع الإعلامية سارة خليفة بتهمة غسيل الأموال    نفسية وعصبية.. تعرف على أبرز أسباب صرير الأسنان عند النوم    بعد خطوة مثيرة لمركز طبي.."زلفو" يصدر بيانًا تحذيريًا لمرضى الكلى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أماني أكوت: إذا طردوني من الشمال سوف أرمي نفسي في النيل..!!

الخرطوم تنتفض من شدة البرد، الشوارع هادئة بعض الشيء، إنه التاسع من يناير؛ اليوم الحقيقي لكتابة تاريخ جديد للوطن، ربما ينتفض له الزعيم إسماعيل الأزهري في قبره. حركة الجنوبيين المقبلين على مراكز الاقتراع المنتشرة في وسط وأطراف العاصمة، اتسمت بالبطء وثقل الخطى، ومنذ أن فتحت المراكز أبوابها بدأ الإقبال الضعيف يفضح نفسه، وهو ما عزاه البعض إلى موجة البرد الشتوية التي غطت سماء الخرطوم، وقال آخرون إن الخوف، وربما الترحيل القسري، والعودة الطوعية؛ كلها أسباب جعلت الاقتراع يبدو فاتراً في يومه الأول، غير أن اللافت في مراكز الاقتراع هو النبرة الوحدوية التي طغت على خطاب جنوبيي الشمال، ولديهم مبرراتهم ودوافعهم في هذا، فالأمر ليس يسيراً، إذ يقف المواطن الجنوبي حائراً بين وطن كان موحداً اسمه السودان، فشل في الحفاظ على وحدته وهويته وتعدد أديانه ولغاته؛ ووطن جديد يتخلق من رحم الغيب وينحدر نحو مستقبل يصعب التكهن به، حيث يلامس ذلك الخطر مستقبل هذا الجمع الوافر من الجنوبيين، الذين يعيشون في الشمال ولا يعرفون لهم وطناً سواه، وقد بدأت معاناتهم تتجلّى في شكل الاستفهامات والمخاوف التي تحاصرهم من كل مكان.
(الأهرام اليوم) خرجت في جولة مطوَّلة على مراكز التصويت بشرق النيل والخرطوم شرق، وفي رئاسة مركز مفوضية الاستفتاء بشرق النيل وبحري، فقد كانت مبانيه عند التاسعة والنصف صباحاً خالية من الموظفين، إلا من اثنين فقط في مكتبين منفصلين، فيما جلس (3) ضباط من بعثة الأمم المتحدة بالزي الرسمي، قالوا إنهم في جولة تفقدية لمراقبة الدعم اللوجستي الذي قد تحتاجه مراكز الاستفتاء، وهم في جلوسهم هذا ينتظرون عودة رئيس المركز ومعاونيه الذين خرجوا في زيارات ميدانية تفقدية على المراكز، التي بلغ عددها (18) مركزاً موزعة على المدارس والأندية الرياضية بأحياء بحري وشرق النيل، وهيأت - بحسب الموظف أبو بكر الصادق - لاستقبال (10428) مقترعاً جنوبياً.
على الرغم من أن منطقة شرق النيل وبحري تعد من أكبر المناطق التي احتضنت عدداً من الجنوبيين منذ ثمانينيات القرن الماضي - يقدر عددهم بنحو (300) ألف جنوبي - إلا أن إحصائية التسجيل أعلاه تشير إلى ضعف الإقبال إبان التسجيل للاستفتاء، هذا قبل أن يلحظ المراقب وبصورة واضحة ضعف الإقبال على الاقتراع مقارنة برقم التسجيل وكثافة السكان، ربما كان هذا الضعف بسبب الهجرات الطوعية التي قام بها الجنوبيون أنفسهم ناحية الجنوب، منذ أن أعلنت حكومة الجنوب شعارها التاريخى (عد إلى وطنك)، غير أن أغلب ضباط المفوضية يتناسون هذا الأمر في تبريرهم لضعف الإقبال، ويرجعونه مباشرة إلى نزول موجة من البرد في اليوم الأول للاقتراع، علاوة على مصادفته يوم «الأحد» الذي يخصصه الجنوبيون المسيحيون لإقامة صلواتهم المقدسة في الكنائس المنتشرة بالخرطوم، الأمر الذي عضده ل(الأهرام اليوم) المراقب سمعان محجوب؛ المبعوث من قبل مجلس الكنائس السوداني، وغيره من المبعوثين الكنسيين، لكن في مدينة الجريف شرق «مركز المنطقة الغربية لشرق النيل» جاء تبرير ضعف الإقبال محمولاً على (طورية وكوريق) حملهما المقترعون ال(1088) نحو «كمائن» الطوب الأحمر التي يشتهر بها الساحل النهري المواجه لضاحية الجريف، غير أن غياب هؤلاء العمال في «الكمائن» لم يجعل من النسوة عنصراً غالباً بين ال(50) مقترعاً الذين زاروا المركز حتى الساعة الثالثة عصراً، أي قبل ساعتين فقط من نهاية اليوم الأول للاقتراع.
ربما كان هذا الضعف متوقعاً من قبل جهات عدّة ذات صلة بعملية الاستفتاء ونجاحه، وحينها لن تكون هيئة دعم السلام والوحدة غائبة عن هكذا حدث، إذ كان رئيسها «بول ليلي» حاضراً بقامته المديدة في أغلب المراكز، يحث على التصويت، ولا يتحرج من الدعوة إلى الوحدة ومزاياها، رغم انتهاء الزمان المحدد لذلك قانوناً.
سألناه عن مدى قانونية جولته على المراكز، التي ربما رجحت إحدى الكفتين، أو شوشت على أحد المقترعين، لكنه أجابنا بأن زيارته تأتي «في إطار إداري».
المراقب لشأن مجريات الاستفتاء يلحظ بلا عناء ودون تمحيص، ضعفاً آخر وخطأً كبيراً تمثل في الغياب الكامل لممثلي الأحزاب السياسية عن جميع مراكز الاقتراع، فضلاً عن غياب الحركة الشعبية؛ شريك اتفاقية السلام، فأصبحت مقاعد المراقبين محتلة من قبل عدد من الصبايا اللائي يمثلن منظمات للمجتمع المدني، ربما لم يكن لها وجود قبل هذا الاستفتاء، وحينما تكرر غياب الأحزاب عن جميع المراكز التي زرناها؛ كان علينا أن نستعين بأحد رؤساء مراكز الاقتراع لفك طلاسم ذلك الغياب، إلا أنه ردنا دون إجابة سوى النصح بأن نبحث عن تلك الأحزاب لنسألها عن سر غيابها، وها نحن نفعل، لكنّه قطع بعدم ممانعة المفوضية في وجود أيّما حزب.
ونحن ندلف إلى أحد المراكز؛ تعثرت خطانا بالمواطنة ربيكا شارلس وهي تعمل في الشرطة السودانية برتبة عريف.. تقول ربيكا للصحيفة: «بالرغم من أنني مريضة، ولكنني لا أستطيع أن أمتنع عن الحضور فالأمر يتعلق بمصيري ومصير أولادي الذين يدرسون في الجامعات، وأنا أسكن في الحاج يوسف ولديّ بيت هنا، فلو حدث الانفصال لا أستطيع أن أترك أولادي، لا أستطيع أن أترك عملي حيث أتمتع بالماء والكهرباء، ولو ذهبت إلى الجنوب فلن يوفروا لي هذه الخدمات ولن يوفروا لي الأمان، لا أريد أن أعيش تحت ظل شجرة، ولذلك سوف أصوت للوحدة»، ومضت ربيكا في الحديث حتى خنقتها العبرة، وقد امتدت المخاوف لتشمل قطاعاً كبيراً من المقترعين في مراكز الخرطوم بحري وشرق النيل.
بالنسبة لديفيد الذي خرج من غرفة الاقتراع بمركز طون أروك بحي البركة بالحاج يوسف فقد استوقفناه وسألناه عن ما هي شواغله وهواجسه وطموحاته وهو يدلي بصوته؟ فبدا ديفيد الذي تعدى العقد الثالث من عمره بقليل قلقاً حول مستقبل تقرير مصير أسرته فهو زوج لامرأة من قبيلة شمالية ويكفل بالتعاون مع شقيقه الآخر والديه وأخوته من عمله في القوات المسلحة طيلة 16 عاماً إلى جانب عمل شقيقه في قوات الشرطة. يقول ديفيد إن القلق يساوره وزملاؤه الجنوبيين: هل سيتم الاستغناء عنهم في حال وقوع الانفصال؟ ويضيف ديفيد «الانفصال هذا عمل السياسيين أما أن تلغى وظائفنا فهذا خلل، تبقى لي عام واحد لأستحق امتيازات المعاش وإذا تم فصلنا سنفقد كل شيء. ومضى ديفيد «وسيظل القلق يلاحقه لأنه بحسب ما قال لم يقرر وأسرته حتى الآن ما يتوجب عليهم فعله هل سيرحل إلى مسقط رأسه بمدينة واو وزوجته من قبيلة الكواهلة؟ هل يبقيها أم يأخذها معه إلى تلك الديار التي غاب عنها طويلاً؟!
أما استنة بيتر فلم تكن تعلم ما يحدث حولها، كل ما كانت تعلمه أن الجنوب سينفصل عن الشمال فمضت قائلة «إن اتولدت هنا اعمل جندية في مستشفى الشرطة ولدي أطفال وحتى أمي وأبي موجودون هنا، ليست لي أي علاقة بالجنوب فكل من عرفتهم وأحببتهم الآن حولي، لماذا أرحل إلى الجنوب؟» وختمت استنة حديثها بمقولة «كل منا يتوجه للمكان الدايرو وأنا مكاني هنا في الشمال».
خطانا تعثرت كذلك بسعاد.. اختلطت ملامحها الابنوسية كاختلاط جنسها حيث جاء والدها من أقصى الشرق ليلتقي بوالدتها من أقصى الجنوب لتكون المحصلة فتاة «محسية جنوبية» فقالت سعاد جبارة ل(الاهرام اليوم) أمي من الاستوائية وأبي محسي من توتي فنحن أسرة مسلمة حضرت من الجنوب قبل شهر ونسبة لأن توتي لا يوجد بها مركز جئت لاقربائي في الديم فأدليت بصوتي هنا.. وتمضي مواصلة تم منع اخواتي من التسجيل عن طريق تهديدهن من قبل أفراد، لذلك هن الآن موجودات في المنازل. وعن خيار الوحدة والانفصال ذكرت «نحن سودان واحد وكلنا سودانيون واكثر مصالحي تقتضي أن اختار الجنوب دوناً عن أسرتي المستقرة في توتي».
(الأهرام اليوم) في تجوالها التقت أيضاً بالحاجة نعيمة عبد الله التي قالت بعد فترة من الصمت «أولادي لازالوا يدرسون هنا والمعيشة في الجنوب صعبة ولا ندري ما لنا وما علينا» .. وبعد دقائق ليست بالكثيرة أردفت ابنتها العشرينية بعد أن اعترت قسمات وجهها ملامح الحزن والأسى فأضافت سوزي الياس قائلة «أنا أدرس جامعة النيلين كلية القانون المستوى الثالث ولي فترة وأنا ضائعة بين اليقظة والأحلام ولا أدري ما مصيري وما مصير مستقبلي فكل ما بت أعرفه الآن بعد طول تفكير إنني لن أترك الشمال مهما دعت الظروف وسأكمل مسيرتي العملية وبعدها المهنية هنا إن شاء الله».
رئيس المفوضية؛ البروفيسور محمد إبراهيم خليل، زار عدداً من المراكز في العاصمة بصحبة المراقبين وأعضاء المفوضية، ووجه بتغيير زمن الاقتراع من الساعة الثامنة صباحاً حتى الساعة السادسة مساء، بدلاً عن الساعة الخامسة مساء، وقال خليل في تصريح ل(الأهرام اليوم) إن التسجيل يسير بشكل جيد، وعزا الإقبال الضعيف إلى دوام العمل في الولايات الشمالية الذي ينتهي في الساعة الرابعة، وقال إن ساعة واحدة لا تمكنهم من من الذهاب إلى منازلهم ليلحقوا بزمن الاقتراع، ووعد بتذليل الصعاب الفنية التي تواجه عملية الاستفتاء، في نفس الوقت الذي فشلت فيه مدرسة سعد بن أبي وقاص بشرق النيل في تقديم نموذج حي للاقتراع لرئيس المفوضية، نسبة لعدم وجود مقترع جنوبي، وشعر مدير المركز بالحرج متعللاً بأن غالب الجنوبيين في المنطقة يعملون في الكمائن وليس باستطاعتهم تركها.
خليل قال إن الجنوبيين الذين أقبلوا على التصويت بالجنوب فاقوا طاقة الموظفين بالمراكز، معتبراً أن هذا الإقبال هو إشارة إيجابية، وأبان أن الذي سجل اسمه في الخرطوم لا بد أن يصوت في الخرطوم، أو في المنطقة التي سجل فيها، وتستثنى من ذلك الأماكن التي بها صعوبة بالجنوب.
منبر السلام العادل سوَّد جدران العاصمة باللافتات المزخرفة بعبارات الفرح، وبالرغم من أن الدعاية للوحدة والانفصال قد توقفت تماماً بشكل مباشر، إلا أن منبر السلام لم يتوقف عن إطلاق شعاراته التحريضية بطرد الجنوبيين، ولكنّ المواطنين الشماليين لم يستجيبوا لتلك النداءات، المفتقرة إلى العمق الشعبي.
في مدرسة الديم بالخرطوم شرق، كان المواطن (ميون بوال ميون) ذو الستين خريفاً يتوكأ على عصاه ليدلي بصوته، كان غير قادر على السير، ولكن رغبته في وطن موحد هي التي حملته إلى مركز الاقتراع. يقول ميون للصحيفة: «هذه أول مرة أخرج فيها من المنزل نسبة لمرضي، ولكنني مجبر اليوم على الخروج، سوف أصوت للوحدة فأنا معوق كما ترى، ولا أستطيع أن أرحل إلى الجنوب، ولقد عشت عشرين عاماً من عمري في الخرطوم وكنت ولا زلت أعمل في السكة الحديد». ميون لم يكن لوحده، وإنما كانت بصحبته زوجته أماني أكوت، التي ظلت ترافقه طيلة تلك السنوات، أماني طغت على عينيها موجة حزينة، ولم تبخل علينا بالحديث، حيث أشارت إلى أنها استقلت هي وزوجها (ركشة) كلفتهما عشرة جنيهات؛ لتحضر إلى مركز الاقتراع وتدلي بصوتها للوحدة، وأضافت أماني: «إذا قرروا طردي من الشمال سوف أرمي نفسي في النيل»، واستطردت: «هذا هو وطني، ومن الصعب أن أخرج منه». أماني ربطت مصيرها بمصير نتيجة الاستفتاء وقرارات السياسيين بخصوص الجنسية المزدوجة، وبقاء الجنوبيين في الشمال من عدمه.
داخل مراكز الاقتراع بالخرطوم، كان من اللافت انتشار الشرطة السودانية في كل المراكز، وفي مركز الساحة الشعبية بوسط الخرطوم، تبين لنا أن العدد الكلي للمسجلين بالمركز (400) شخص، وقد أدلى (15) شخصاً فقط منهم، حتى منتصف يوم أمس من بينهم د. لام أكول رئيس الحركة الشعبية للتغيير الديمقراطي المنشق عن الحركة الشعبية، و د. لوكا بيونق وزير الرئاسة بحكومة الجنوب، وقال أكول ل (الأهرام اليوم) إن الاستفتاء يجب أن يكون عادلاً ونزيهاً، مؤكداً أن الجنوبيين لم يجدوا ما يبصرهم بمآلات الانفصال، معبراً عن أسفه الشديد لموت ما يسمى ب(مشروع السودان الجديد)، مضيفاً أن الانفصال الآن هو ضربة قاضية لهذا المشروع الذي لم ير النور، وذهب أكول إلى أن الضمان الوحيد لاستقرار الجنوب هو أن تكون الحكومة في المرحلة المقبلة انتقالية قومية ذات قاعدة عريضة، تشمل كل ألوان الطيف السياسي والعسكري بالجنوب.
كان ملاحظاً بالأمس أن أعداد الإعلامين الذي يغطون العملية أكبر من المصوتين أنفسهم..!!
في الوقت الذي بدت العاصمة فيه أكثر هدوءاً، وقد تعاملت مع الانفصال كأنه واقع معلن دون تصويت ونتائج، فإن الحركة الشعبية في الضفة الأخرى بمعاونة المجتمع الدولي تؤكد أفعالها هذا الأمر، وفي اليوم الأول للتصويت حرص كل من جون كيري رئيس لجنة العلاقات الخارجية بالكونجرس الأمريكي، والممثل العالمي الشهير جورج كلوني على أن يكونا حاضريْن في الجنوب.
ومن المعلوم أن عدد الجنوبيين الذين سجلوا أسماءهم بالشمال بلغوا أكثر من (120) ألف نسمة، يرى مراقبون أن أكثر من نصف هذا العدد قد عاد إلى الجنوب وفق برنامج العودة الطوعية التي تبنته حكومة جوبا، كما أن المتبقين بالخرطوم سيكونون بين أمرين أحلاهما مر، فلو صوتوا للانفصال ففي تصورهم أنهم سوف يحرمون من الجنسية المزدوجة التي يرغبون فيها، ولو صوتوا للوحدة يخشون من بطش الحركة الشعبية بهم، ولذلك سوف يمتنع غالبيتهم عن التصويت، ووفق الخبراء ربما لن يذهب للتصويت سوى (30) ألفاً بالخرطوم على مدى الأسبوع لتكون المحصلة في النهاية إقبالاً ضعيفاً للغاية، ومن خلال رصدنا وجدنا أن أكبر مراكز التسجيل بالعاصمة هو مركز شرق النيل الذي تقدر أعداد المسجلين به بحوالي (1000) شخص، وباقي المراكز تتفاوت أعدادهم بها بين (300) إلى (400) شخص.
وفي مركز «دار السلام المغاربة» قالت ميريت ل (الأهرام اليوم): «أنا من مدينة ياي بالجنوب، أتيت إلى الخرطوم منذ 17 عاماً، ولي أبناء بالجامعات بالشمال، ولا يمكنني العودة إلى الجنوب الآن حتى ينتهوا من دراستهم»، مؤكدة أنه «رغم المضايقات المعلنة إلا أن حالة الارتباط والمحبة بيننا والشماليين قد زادت»، مضيفة: «إذا حدث انفصال ندعو الحكومتين إلى أن يكون انفصالاً ناعماً يحافظ علينا كمواطنين، ونحن كأفراد نريد بلداً موحداً».
عبر الهاتف من جوبا قالت مسؤولة المرأة بالمجلس الإسلامي بالجنوب؛ حبيبة لادو، ل(الأهرام اليوم): «سوف نذهب للتصويت اليوم الاثنين»، مؤكدة أن مسلمي الجنوب مع الوحدة، وأنه رغم طمأنات الحركة الشعبية بعدم المساس بهم، إلا أن الشارع الجنوبي يستنكر الوقوف مع الوحدة، موضحة أن هناك أعداداً كبيرة من المسلمين بالجنوب، وأن الخرطوم هي التي تدعم المجلس الإسلامي هناك، وقالت: «لو حدث انفصال ووجدنا اضطهاداً لنا سوف ننزح إلى الشمال»، لافتة إلى أن المجتمع الدولي في غفلة عما يحدث لهم بالجنوب، وقالت: «جلسنا مع الأمم المتحدة، وأطلعناها على أحوالنا، ولم تصدق كلامنا، ولم تفعل شيئاً من أجلنا».
ومن متابعات الصحيفة بجوبا، رُصدت بعض المخالفات، إذ شوهد أشخاص ليست لديهم بطاقات تسجيل، كما تم رصد إملاءات داخل اللجان بالتصويت للانفصال..!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.