حين يلم بنا عارض صحي بدني نهرع إلى الطبيب ليصف لنا الداء والدواء، لكننا حين نصاب بعارض نفسي قد يشل نشاطنا ويلحق بنا أوجاعاً وآلاماً بدنية ونفسية لا قدرة لنا على احتمالها، ترانا نتحامل على الألم ونحجم عن زيارة الطبيب النفسي المختص، إما لأننا لا نؤمن بجدواه، أو خجلاً ربما يصمنا المجتمع بتهمة الجنون. واذا حدث وذهبنا فإننا نسعى إلى تغليف زيارتنا بكل أشكال التخفي والسرية كما لو أننا نقترف جرماً. والسؤال الذي يطرح نفسه هو: ألا تحتل سلامتنا النفسية ذات القدر من الأهمية التي تحتلها سلامتنا البدنية؟ ما العيب في أن نجري لأنفسنا فحصاً نفسياً «دورياً» كفحص الضغط أو السكري أو القلب؟ سأقدم لكم نموذجين لحالتين مصابتين بالمرض النفسي: نموذج أول: الحالة الأولى هي «ك- ع» سيدة تأتي بابنتها إلى الطبيب النفسي لأن ابنتها مصابة بالوسواس القهري ولكنها تأتي خفية دون علم الأسرة خوفاً من أن توصم ابنتها بالجنون، مؤكدة أن المجتمع لن يرحمها فهي في قرارة نفسها تعلم أن الأمر عادي ولكنها تخاف نظرة المجتمع لابنتها. نموذج ثان: الحالة الثانية لمهندسة شابة أصابتها الوساوس بعد وفاة والدها بسرطان الرئة الأمر الذي زرع في مخيلتها أوهاماً مرضية جعلتها تعتقد أنها ستصاب بنفس المرض وامتنعت عن الحياة وبدأت تتصور الحياة التي سوف تعيشها ابنتها بعد وفاتها بعد أن يتزوج زوجها ويأتي بأمرأة تعذب ابنتها، مؤكدة أنها أصبحت تعيش في دائرة مفرغة من الأوهام والوساوس، وبدون أي مقدمات وجدت المهندسة الشابة نفسها أمام عيادة الطبيب النفسي لكي يريحها من آلامها، ولم تخش أو تخف من نظرة المجتمع لأنها تقول المرض النفسي مثل أي مرض والطبيب النفسي مثل أي طبيب. { لماذا لا نكون مثل هذه المهندسة الشابة؟، فيا ليت لو يعلم الناس أنهم في حاجة إلى الطبيب النفسي أكثر من حاجتهم إلى الطبيب البشري. (الأهرام اليوم) كانت لها جولة استطلاعية حول المرض النفسي والخوف من الطبيب النفسي وفي البداية التقينا بالسيد أحمد علي حيث قال إن كل شخص يحتاج إلى الطبيب النفسي أكثر من احتياجه إلى الطبيب البشري، وذلك بسبب الضغوط النفسية التي تواجهه بالإضافة إلى المشاكل اليومية والاقتصادية ولكن أعتقد أن المجتمع الذي نعيش فيه هو السبب الرئيسي في هذا الخوف، وأنا من نفسي إذا شعرت بأنني أحتاج إلى طبيب نفسي فإنني لن أتخاذل في الذهاب إليه. ويوافقه في الرأي صديقه خالد عبد الله ويؤكد أن المجتمع هو السبب وراء هذا الخوف الرهيب من الطبيب النفسي ويعتبرون الذهاب إليه وصمة عار مدى الحياة ولذلك فهو يقول إنني لن أتوانى في الذهاب إلى الطبيب النفسي يوماً من الأيام إن احتجت. وتقول رؤى الطاهر إنها مهما احتاجت إلى الطبيب النفسي فإنها لن تذهب إليه يوماً حتى لا يصمها المجتمع بالجنون. ويؤكد محمد سامي ويقول إن المجتمع هو سبب تخوفنا من الذهاب إلى الطبيب النفسي لأن الوقوف على باب عيادته يعتبر جنونا وتلحظ ذلك في معاملة الناس إليك وفي أعينهم. وتقول الحاجة آمنة إن الناس يفضلون الذهاب إلى الشيوخ للعلاج بدلاً من الذهاب إلى الطبيب النفسي لأن المجتمع هو الذي فرض هذا الخوف فكل شخص يصاب بالاضطرابات النفسية يكتم ذلك في داخله ويتحامل على نفسه كل ذلك من أجل أن لا يذهب إلى الطبيب النفسي حتى لا يصم بالجنون. وفي ذات السياق يقول مصطفى حسن إن الإنسان الواثق من نفسه هو الذي يذهب إلى الطبيب النفسي إذا احتاج الأمر إلى ذلك ولا يبالي بنظرات المجتمع إليه حتى لا يكون ذلك خصماً على صحته البدنية والنفسية. ويتفق معه في الرأي محمد الطاهر عبد الله ويقول يجب أن يضع كل شخص صحته في المكانة الأولى ولا يبالي بكلام ونظرة المجتمع فالمرض النفسي هو مرض مثله مثل أي مرض آخر والصحة النفسية أهم من الصحة البدنية. وأيضاً تقول رهام علي إنه يجب أن لا يبالي البعض بنظرات المجتمع الذي يذهب إلى الطبيب النفسي لأنه طبيب مثله مثل أي طبيب آخر، وأنا عن نفسي إذا احتجت إلى الطبيب النفسي فإنني سأذهب إليه فوراً. وتقول هناء حسن إنني لن أذهب إلى الطبيب النفسي حتى لا يصمني المجتمع بالجنون، لأنني ما أن تخطى قدماي عيادته فأنني أصنف في نظر المجتمع أنني مريضة نفسية فالعيب ليس فينا وإنما في المجتمع الذي نعيش فيه. ويقول هيثم محمود إن الطبيب ليس فينا ومن تخوفنا من الذهاب إلى الطبيب النفسي، العيب يكمن في المجتمع الذي نعيش فيه لأن نظرة المجتمع لك إن ذهبت إلى الطبيب النفسي هي التي تجعلك تتخوف من الذهاب إليه، فإن بدر منك أي تصرف بعد أن تذهب إليه تجد في عيون الناس كلمة واحدة وهي أنه «مريض نفسي» مع أن الطبيب النفسي هو مثله إلى طبيب آخر نحتاج إليه. وتقول لينا محمد الصادق، كل إنسان يحتاج إلى الطبيب النفسي وأهميته لا تقل عن أهمية أي طبيب آخر ومن المفترض أن تتم مراجعته من فترة لأخرى لأن الراحة النفسية أهم من الراحة البدنية، وفي الزمن القديم كان الذي يذهب إلى الطبيب النفسي هو مجنون أما في العصر الحالي فإن الآن الأمر أصبح عاديا وأنا عن نفسي إذا رأيت أنني أحتاج إلى الطبيب النفسي فأنني سأذهب إليه فوراً ولن أخجل من أحد. { تضيف ريماز زين العابدين «موظفة في النالة» وتقول «أنا عن نفسي إذا احتجت لطبيب نفسي فإنني سوف أذهب ولكن دون علم أحد لأنني أخاف من نظرة الناس والمجتمع والعيب ليس فينا إنما في المجتمع الذي نعيش فيه». { وتوافقها الرأي صديقتها وزميلتها زحل علي وتقول إننا نحتاج إلى الطبيب النفسي أكثر من حاجتنا إلى أي طبيب آخر ولكن المجتمع الذي نعيش فيه لا يرحم ولذلك فإنني إذا احتجت إلى الطبيب النفسي سوف أذهب ولكن دون علم أحد. { ثم التقينا بالطبيب النفسي دكتور علي خالد الذي تحدث لنا عن الطب النفسي وعن المريض النفسي وأنواعه وأيضاً عن المرض النفسي وانقساماته حيث قال: ينقسم المرض النفسي إلى نوعين: { مرض عصابي: وهذا صاحبه يكون إنسانا غير قادر على التكيف سواء للأفضل أم للأسوأ وأعراض المرض العصابي هي القلق والخوف والاكتئاب والوسواس واضطرابات في النوم والطعام ويتحمل المريض المسؤولية الاجتماعية كاملة ويقوم بواجباته كمواطن صالح ويكون مدركا بالمرض ومدركا بالواقع ولا يمثل خطراً على نفسه أو على الآخرين. { مرض ذهاني أو عنقي: وصاحبه مَن أصيب باضطرابات في التفكير والسلوك والوجدان والإدراك مما يؤدي إلى تدهور شخصيته وعجز عن الإحساس واختلال في الزمان وإدراك المكان. ومن السهل على الإنسان العادي التعاطف مع المريض العصابي والاشفاق عليه ولكن من الصعب التعاطف مع المريض الذهاني الذي يدرك الواقع بصورة مختلفة وغالباً ما يكون مكانه في مستشفى الصحة العقلية لأنه قد يؤذي نفسه. { يواصل الدكتور علي خالد حديثه قائلاً «إن كلمة مجنون لا توجد في مصطلح الطب النفسي». وعن أنواع المرض الذهاني العقلي يقول الدكتور: «هناك ذهان عضوي وذهان وظيفي»، مؤكداً أن الذهان العضوي هو نتاج إصابات المخ بالحوادث أو الأورام أو الصرع، أما الذهان الوظيفي فهو «الفصام والهوس والاكتئاب. ويختم الدكتور علي خالد حديثه قائلاً «إنني أرمى اللوم كله على المجتمع لأن نظرته السيئة للطبيب النفسي ولكل من تطأ قدمه أرض عيادته هي التي جعلت الناس يخافون من الذهاب إلى عيادات الطب النفسي خوفاً من أن تلحق به كلمة مجنون ، فلا بد للناس من أن تعي أن الطبيب النفسي هو كغيره من الأطباء الآخرين الطب النفسي من منظور إسلامي إن المنظور الاسلامي للمجتمع هو التكاتف والتكافل وتقوى البعض بالبعض والإنفاق على بعضنا بأن يُعطي الذي معه من ما معه. ولذلك وجب على المسلمين احترام بعضهم، وهي مسؤولية اخلاقية فردية على الأصحاء ليخففو جناح الذل للمرضى. لذلك من كان به نقص في إحدى الكليات الخمس وهي «الدين- النفس- المال- النسل- العقل» وجب وجوباً على القادرين على سداد هذا النقص أن يفعلوا إن كانوا من أتباع المصطفى صلى الله عليه سلم. أن أصحاب الأمراض النفسية هم في عداد ناقصي القوة العقلية لذلك لا بد أن يعاملو بلطف وبرفق وبمسامحة أن اللوم الحقيقي في هذه الحالات يقع على المجتمع لأن العلة إذا شخصت فاننا نجد سببها اجتماعي لأن المريض يخشى الذهاب إلى الطبيب خجلاً من الناس وتتفاقم حالته وإذا ذهب فإنه يذهب خلسة حتى لا يصمه من يراه بالجنون وقد يأخذ العلاج النفسي وفي غير أوقاته لذلك فإن القضية شائكة. اننا نجد الكثير من يفضلون الذهاب إلى الشيوخ سواء أكانوا يقرأون القرآن أم مشعوذين ودجالين. ختاماً نتمنى أن تزال هذه النظرة السالبة تجاه الطبيب النفسي فهو كغيره من الأطباء بل ونحتاجه أكثر في ظل الضغوطات التي يمر بها الانسان في حياته اليومية.