العلاقة بين جوبا وتل أبيب كيف يمكن تقييمها؟ وفي أي قالب يمكن وضعها؟ وبأي جهاز يمكن قياسها؟ .. علاقة تنصل عنها ولم يعترف بها بعض قادة الجنوب أنفسهم بمن فيهم سلفاكير نفسه بينما لم يعترض على قيامها البعض الآخر من قيادات الصف الأول بالحركة .. وعلى الجانب الآخر تتباهى قيادات في تل أبيب بأن فصول قصة دعمهم الطويل للجنوب انتهت على ما يبدو بميلاد دولة جديدة في خاصرة العالم العربي تربطهم بها علاقات خاصة ومميزة. وبينما أكد موقع إلكتروني مقرب إلى جهاز الموساد الإسرائيلي أن رئيس حكومة الجنوب يمتلك مكتباً سرياً خاصاً في تل أبيب يتم من خلاله تنظيم العلاقات السياسية والعسكرية والاستخباراتية بين إسرائيل والحركة الشعبية، فقد تنصل كير عن تلك العلاقة على الأقل ظاهرياً. شواهد أخرى عديدة تؤكد عمق وتطور تلك العلاقة فقد كشفت صحيفة هارتس الإسرائيلية أن تل أبيب تستعد لفتح سفارة جديدة لها في جوبا في حال الانفصال. وقال تسفي بارئيل معلق الشؤون العربية بالصحيفة إن إسرائيل تسعى إلى تطبيع العلاقات مع جنوب السودان في حال الانفصال .. وقال الكاتب:«في القريب مع انفصال الجنوب وإقامة دولة مستقلة في أفريقيا سوف يكون بالفعل لإسرائيل ممثلون هنالك». وقال بارئيل «إن التقديرات تشير إلى أن جنوب السودان سوف يصبح دولة مستقلة ومقربة إلى إسرائيل بالفعل». ورغم نفي سلفاكير القاطع لوجود تلك العلاقة إلا أن مصادر رصدت بتاريخ 28 أكتوبر الماضي لصحيفة الحياة اللندنية أنه لا يستبعد إقامة علاقة جيدة مع إسرائيل وفتح سفارة لها في جوبا حال اختيار الجنوبيين الانفصال. الحكومة في الخرطوم أكدت في وقت سابق أن إقامة جوبا علاقات مع تل أبيب هو أمر يخص حكومة الجنوب وحدها إذ أكد الناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية أن المسؤولية التاريخية التي قد تنتج جراء تلك العلاقة تتحملها حكومة الجنوب .. لكنه حذر إسرائيل من التدخل في الشأن السوداني الداخلي، في إشارة إلى محاولات إسرائيليين لتجنيد عملاء من دارفور في بعض البلدان العربية بينما رهن مشروع تطبيع علاقات بلاده مع تل أبيب بحل القضية الفلسطينية. وكانت قيادات من الحركة الشعبية قد أكدت استعدادها لتطبيع علاقات دولتهم الجديدة مع إسرائيل بقولها إن إسرائيل عدو للفلسطينيين وليست عدواً لهم. واقع الحال وأحاديث المراقبين تقول إن مكاسب عديدة يمكن أن تجنيها إسرائيل من الدولة الجديدة في جنوب السودان خاصة وأن علاقات تأريخية تربطهم برموزها منذ عقود، حسب تصريحات جوزيف لاقو القيادي الجنوبي المعروف .. وفي هذا الإطار تسعى إسرائيل إلى زيادة استثماراتها في جوبا مع تزامن إعلان الانفصال، فقد أكد مصدر بشركة الهواتف الجوالة بجوبا لمجلة (روز اليوسف) المصرية أن 90% من الاتصالات الصادرة من جوبا هي لأرقام هواتف إسرائيلية .. وأن تلك النسبة في تزايد مستمر! حكومة الجنوب نفت مراراً وجود استثمارات إسرائيلية في الجنوب، حيث نفى كير نفسه ما تناولته الصحف الصادرة في الخرطوم خلال الأيام الماضية من خبر مفاده أن حكومة الجنوب عقدت صفقة لشراء طائرات مقاتلة من إسرائيل وعلق بقوله:« إن هذه مجرد شائعات» وذهب بالقول الى أن هنالك من يعمل ضد مصلحة حكومة وشعب الجنوب. وقال «هؤلاء يريدون زرع الكراهية بين شعب جنوب السودان والعرب». وما يقاطع حديث كير أعلاه ما أكده موقع (ديبكا) المقرب إلى جهاز الموساد والمتخصص في الشؤون الاستخباراتية فقد أكد أن وزير الخارجية الإسرائيلي فيغدور ليبرمان نظم الأسبوع قبل الماضي اجتماعاً سرياً في تل أبيب بين ممثلين للحركة الشعبية لتحرير السودان ورئيس لجنة الخارجية في مجلس الدوما الروسي ميخائيل مارجلوف الذي فوضه رئيس الوزراء الروسي فلادمير بوتين ليكون مبعوثاً خاصاً للسودان لبحث إمكانية مساهمة روسيا في مشاريع النفط في دولة الجنوب عقب اعلان الانفصال. وأكد الموقع الاستخباراتي أن الاسرائيليين هم من أقنع الروس بتأييد انفصال جنوب السودان خاصة وأن المبعوث الروسي مارجلوف كان يعتبر أن إقامة دولة في جنوب السودان يمكن أن يهدد السلم العالمي .. وأكد الموقع أن تل أبيب هي التي أقنعت روسياً بتزويد الحركة الشعبية بطائرات مقاتلة ووسائل قتالية أخرى. ونوه إلى أن هنالك تنسيقاً عميقاً بين تل أبيب وموسكو لتزويد الحركة بطائرات مقاتلة أخرى. وأشار الموقع إلى أن الإسرائيليين نجحوا، في الواقع، في إحداث تغيير دراماتيكي في موقف روسيا تجاه الانفصال حيث كانت الأخيرة تعارض بشدة هذه المسألة. تطورات في خضم هذه العلاقة قد تكشف عنها مقبل الأيام القليلة القادمة التي بات من المرجح أن يعلن فيها عن قيام دولة وليدة في جنوب السودان قد تدفع بقادة الحركة إلى رفع قناع الاستحياء عن تلك العلاقة والمجاهرة بها علناً .. الأمر الذي قد تباركه نجمة داؤد ومن وراءها أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية أو ما يسمونها (العين الثاقبة).