أريقاً من رضابك أم رحيقا رشفت فلست من سكري مفيقا وللصهباء أسماء ولكن جهلتُ بأن في الأسماء ريقا جلستْ أمام الطبيب، عيناها الزرقاوتين شاردتين..تُريد أن تصرخ.. لكن الكلمات لا تطاوعها واللسان يعجز عن النطق والشكوى ، أصابتها الحيرة من كل حدب وصوب، بدت وكأنها فريسة لصراع رهيب، ثم انهمرت الدموع على وجنتيها، ونظرت إلى الطبيب وقالت: إنها المرة الثانية التي يتم فيها عقد قراني، وافشل بسبب رائحة فمي غير المستحبة!أرجوك ساعدني يا دكتور..تأثر الطبيب لهذا المشهد الحزين، وتعاهد مع نفسه على أن يكون سبباً لإعادة الابتسامة الجميلة للمريضة الحسناء، وقبل أن يقوم بتوقيع الكشف الطبي على فمها وأسنانها، طرح عليها بعض التساؤلات، وطلب منها التركيز في إجابتها: الطبيب: هل تشكين من أي التهابات باللوزتين ؟ أثار هذا السؤال الوجه الملائكي الهارب من السماء، وسألت الطبيب في براءة تُحسد عليها:ولكن هل هنالك علاقة بين التهاب اللوزتين ورائحة الفم الغير مستحبة يا دكتور؟ قال الطبيب مبتسماً: يا أميرة..نظراً لوقوع اللوزتين خلف التجويف الفمي مباشرةً، وفي حالة التهابيهما يصير حجماهما متضخمان، وتُصبح كل واحدة منهما تحتوي على جيوب صديدية تمتلئ بالبكتريا، وهذه البكتريا تُخرج سموم، وهذه السموم تُخرج روائح كريهة تظهر عن طريق الفم. الطبيب:هل تشتكين من أمراض بالرئة مثل الالتهاب الرئوي أو الخراج بالرئة؟ المريضة:الحمد لله لا يوجد ما يؤرقني من هذه الناحية. الطبيب:إذا أهمل المريض العلاج بعد إصابة جهازه التنفسي..خصوصاً في المراحل الأولى من الإصابة، حيث تتراكم الإفرازات المخاطية داخل الرئة، وهذه الإفرازات تكون مرتعاً، وتربة خصبة للبكتريا وتكاثرها، والسموم المنبعثة منها تُخرج روائح كريهة تتسلل عبر التنفس من خلال فتحة الفم..أما خراج الرئة هو: عبارة عن التهاب مزمن صديدي داخل أنسجة الرئة يُحدث أيضاً رائحة نفاذة وكريهة. الطبيب:هل تشكين من قرحة بالمعدة؟ المريضة:أتقصد مغص يا دكتور! وما علاقته برائحة فمي؟ الطبيب: لم أقصد المغص البسيط المعتاد، ولكن أن يشعر المريض بآلام في صورة (حرقان) شديد مع تناوله لبعض أنواع المأكولات.. ونظراً لوجود إفرازات حمضية فتنبعث منها الروائح الغير المستحبة لتخرج من الفم. وبعد أن تأكد للطبيب أن مريضته خالية من أي أمراض عضوية مثل مشكلات بالكلى أو غيرها من أمراض الدم والأنيميا وسرطان الفم وغيرها.. بدأ يفحص فمَ وأسنان مريضته(فوجد ضالته مكمن الشكوى والداء)..حيث وجد احمرار باللثة خصوصاً الأجزاء الملاصقة لأسطح الأسنان نتيجة وجود طبقة (البلاك)، وهي أول طبقات الرواسب الجيرية، وتوجد تحت اللثة، ولا تحظى عادة بالاهتمام الكافي عند تنظيف الأسنان بالفرشاة أو المسواك..وتذكر الطبيب قول الشاعر القديم: عجبت من المسواك يرشف ريقها مدى الدهر لا يحميه من ذاك مانع ويبقى جماداً كيف لم يحي بالحياة وتفني الليالي وهو أخضر يانع رضاب يقوم الميت إن شم عرفه ولو قطعت أوصاله و الاضالع وقلة الاهتمام تشجع الميكروبات والبكتريا الموجودة في هذه الطبقة - طبقة البلاك - أن تنشط وتوجه سمومها إلى النسيج اللثوي، فتصيبه بالمرض، ونظراً لعدم إحساس المريض بآلام في المراحل الأولى لهذه الالتهابات يغيب عن ذهنه الذهاب لطبيب الأسنان..وتكون النتائج رائحة فم يئن منها القريب والبعيد..كما عرف الطبيب أيضاً أن مريضته تعتمد في غذائها على الوجبات الجاهزة (التيك آواي)؛ وهذه النوعية من الأغذية، والتي تحتوي عادةً على مواد سهلة المضغ، وذات درجة لزوجة عالية تُساعد على تكوين طبقة (البلاك)..وبعد أن كتب الطبيب العلاج لمريضته العروس الحسناء، فوجئ - بعد فترة من الزمن - بصوتها المنتشي يأتيه عبر الهاتف عاكساً ما يعتمل في دواخلها من سرور:يا دكتور شكراً شكراً.. قد أعدت لي الحياة. وحتى الملتقى أعزائي القراء أسأل الله لكم اليقين الكامل بالجمال حتى يقيكم شر الابتذال في الأشياء