اتفقت دراسة أجراها الباحث في الدراسات الأفريقية الفرنسي (جيروم توبيانا) إلى حد كبير مع التصريحات والمعلومات الرسمية التي ظلت ترددها الدبلوماسية السودانية حول أصل ومسببات الصراع الدائر في دارفور، الشيء الذي لم يرُق إلى المعادين للحكومة كون الدراسة خرجت برؤى مغايرة لصورة المعتدي «الحكومة والعرب» والضحية «المتمردون الأفارقة» التي كرَّست لها وسائل الإعلام الغربية. إلا أن الدراسة بما توفر لها من مقومات هزمت كل من حاول التشكيك في نتائجها، فإذا نظرت للإطار الزماني تجد أن الباحث استفاد من المعلومات والصور والبيانات التي كان مصدرها والديه (ميري جوز، وجوزيف توبيانا) اللذين عاشا في شمال غرب دارفور وسط الزغاوة وغيرهم، وأشارا الى الاحترام المتبادل بينهما والمواطنين طيلة فترة عملهما كخبيرين في الانثربولوجي منذ الستينيات وحتى ثمانينيات القرن الماضي. كما أتاحت طبيعة عمل الباحث مستشاراً لعدة منظمات دولية كأطباء بلا حدود والمعونة الأمريكية وغيرهما التجوال في إطار مكاني شمل جميع أرجاء دارفور بما فيها مناطق المتمردين واستبين العامة والسياسيين وزعماء العشائر المستقرين في قراهم ومن هم بالمعسكرات الناطقين بالعربية وغيرهم من أصحاب اللغات الأفريقية المحلية في الفترة ما بين الأعوام 2004-2009م. كما أن الباحث «توبيانا» قد شارك عام 2007م بفصل كان عنوانه «صراع حول الموارد» كجزء من كتاب «الصراع في دارفور والبحث عن سلام» لكاتبه (أليكس) لمؤسسة (دو وول كامبريدج). نال جيروم درجة الدكتوراة في الدراسات الأفريقية ووجد إسهامه القوي إشادة من عدة جهات وتم نشر الرسالة الأسبوع المنصرم في كتاب بعنوان «أحداث دارفور» من أحد عشر فصلاً: واستهل الكتاب بدراسة ميدانية لحقبة والديه أطلق عليها عنوان (تواريخ أسرة) في منطقة (ش، غ دارفور) حيث واصل الباحث مع أصدقاء والديه دراسة لمقارنة الواقع إبان حقبة والديه وما يحدث حالياً في المنطقة. وتناول في الفصل الثاني علاقة المجموعات العرقية ببعضها. وفي الفصول من 3-5 عبارة عن دراسة استقصائية حول أصل الصراع وظهور مصطلح (جنجنويد) وشكل العلاقة بين العرب والإثنيات الأخرى قبل وبعد الحرب وسمّى الفصل السادس «قرية الإله» عندما زار قرية (موزبات) وقال إن معظمها من الشماليين الذين تبنوا أعرافاً مقدسة بغرض تأمين ماشيتهم. وسّع الباحث في الفصل السابع إطاره المكاني ليشمل استطلاعات العرب في كُتُم وشمال نيالا ومن جبل مرة الى دارسيلا شرق تشاد حول كيفية تسليح القبائل العربية والاعتماد على أنفسهم في حسم الصراع، ولكنه خلص الى أن العرب والجنجويد لم يمثلوا كياناً واحداً. ختم د. جيروم كتابه برسالة إلى والده الذي سبق أن تحدث عن أزمة في الموارد كالماء وصراع حول المراعي في غرب دارفور، وأشار إلى عدة محاور اختلفت في بعض ملامحها عن حقبة والده ولكنه أكد أن ذاكرة الماضي لا تزال في أوساط الأفراد والمجموعات حبلى بالقيم الموروثة الشيء الذي سيسهل عملية الحل الذاتي للصراع. يقول أحد المشككين فيما جاء بالكتاب: «إن الكتاب تجاهل الإجماع حول تحديد المعتدي والضحية، وأنه اعتمد على 40% من الصور الأبيض والأسود التي حصل عليها من والده وتجاهل صور التشرد والدمار التي حلت بالرى والآبار، وذهب إلى أن النزاع حول المراعي متفقاً في ذلك مع تصريحات الحكومة ويعزي الصراع كذلك الى تفكيك الإدارة الأهلية والجهل وأخطاء الأنظمة السابقة». خاتمة: بعض المُعادين للحكومة السودانية يريدون أن يسمعوا ويقرأوا الآراء التي تختلف مع وجهة نظر الحكومة ولا يقبلون الاتفاق معها حتى لو جاءت هذه الآراء نتاج إسهام بحثي إطاره الزمني أكثر من خمسة عقود وإطاره المكاني غطى كافة أرجاء دارفور وشرق تشاد والعاصمة الخرطوم. ترجمة وتحليل - عمر إبراهيم الأمين واحد مسطول عمل باب زجاج على الشارع وخت فيهو عين سحرية؟!!