قلائل في هذا الزمان من ينظمون الشعر لأجل الشعر، وقلائل من ينظمونه بماء قلوبهم ونزف صبابتهم. وربما كان إجحافاً أن نغفل ذكر هؤلاء، إلا أن ذلك لا يغَّير من الحقيقة شيئاً. شاعرنا اليوم، يعد من أقصر شعراء العرب عمراً وأكثرهم تمجيداً للجمال والحب، وهو يعد من أميز شعراء الرومانطيقية في هذا العصر، شاعرنا هو: أبو القاسم الشابي. وُلد في تونس عام 1909م في منطقة تُعد من أروع المناطق وأشدها استهواءً للقلوب بما تميزت به من سعة وغزارة مياه وأشجار باسقة ومواقع جميلة أخاذة، وقد نشأ الشابي في عالم يُعد مسرحاً للشاعرية وميداناً للخيال الشعري، وقد أصبح شعره جزءاً من تلك الطبيعة، ولونا من ألوان الوطن، جمع شعر الشابي الرقة والعذوبة في حديثه عن الحب وتلك المشاعر الفياضة التي تدفق بها قلبه الشفاف، وبين الثورة والعصف والسخط على حال أرضه التي كبلها الاستعمار. نشأ الشابي في أسرة دينية، وتلقن علوم الفقه واللغة على يد والده، وبرزت مواهبه الشعرية منذ نعومة أطفاره. وقد مر شاعرنا بتجارب أثمرت الإبداع منقطع النظير، منها أنه تعلق بفتاة ماتت في ريعان الصبا، سيطرت على أشعاره فكرة الموت والفراق، وأضحت من أبرز الملامح التي ترسم شعره، فاضطر أهله الى تزويجه بفتاة لا يحبها لينصرف من حزنه، ثم ما لبث أن فجع بموت والده، وتحولت التبعات التي كان يحملها والده إليه، وأخيراً لم تتحمل روحه الرقيقة تلك الفواجع، وما لبث أن سقط طريح مرض انتفاخ القلب ليصيب الداء منه مقتلاً ويفارق دنيانا في عام 1939م. وإليك الآن عزيزي القارئ، بعض المقتطفات الرائعة من شعر الشابي في الحب: أيُّها الحبُ أنت سرَّ بلائي، وهمومي وروعتي وعنائي ونحولي، وأدمعي وعذاب وسقامي ولوعتي وشقائي أيُّها الحبُ قد جرعتُ بك الحزنَ وكؤوساً، وما اقتنصت ابتغائي وهو القائل: وافتح فؤادك للوجود، وخلَّه، لليم، للأمواج للديجور للثلج تنثره الزوابع، للأسى، للهول، للألم، للمقدور وطبعاً كلنا نعرف قصيدته: عذبة أنت كالطفولة كالأحلام، إلى آخر ما قاله. وأخيراً هذا ما تركه لنا الشابي بعد هذه المرحلة العمرية القصيرة. ديوانه المعروف الوحيد »أغاني الحياة« قصة الهجرة النبوية، الأدب الغربي في العصر الحاضر، رسائل في المقبرة رواية، صفحات دامية: رواية، السكير: مسرحية، وعدد من المقالات ويعد هذا الإنتاج ضخماً بالنسبة لأبي القاسم الشابي مقارنةً بالفترة العمرية القصيرة التي قضاها في الكتابة ونظم الشعر. آخر أفق: عِشْ بالشعور وللشعور فإنما/ دنياك كون عواطفٍ وشعور شِيدت على العطف العميق وإنها/ لتجفُ لو شِيدت على التفكير