مولانا حسن أبوسبيب العمرابي واحد من القيادات التاريخية في الحزب الاتحادي الديمقراطي التي تتمتع بقبول واسع داخل الحزب بكل فصائله وخارجه من القوى السياسية لاسيما التي كانت منضوية تحت لواء التجمع الوطني الذي ترأس كتلته داخل المجلس الوطني خلال الفترة الانتقالية التي أعقبت اتفاقية السلام، لما امتاز به من قوة في طرح أفكاره وجرأته في التعبير عنها بكل وضوح وصراحة وفوق ذلك يتمتع بوضعية خاصة لدى مولانا محمد عثمان الميرغني لجمعه بين أنه أحد خلفاء الطريقة الختمية وأحد القيادات التاريخية للحزب الذي هو أحد أعضاء مكتبه السياسي ويتولى الآن منصب المشرف السياسي له في منطقة أم درمان القديمة. وفق هذه الخلفية جلست إليه «الأهرام اليوم» تقلب معه الأوضاع داخل الحزب الاتحادي عامةً والحزب الاتحادي الأصل خاصةً فكشف عن عدم رضائه لما آل إليه حال الحزب، بجانب رؤيته للعمل الذي يقوده التحالف المعارض الذي قال إنه عبارة عن جمع بين أطراف متنافرة لا يجمعها أي برنامج لاختلاف توجهات الأحزاب المكونة له، وأبدى استغرابه من التحالف الذي تمَّ بين د. الترابي والقوى اليسارية و لا يجمع بينهما إلا شعار إسقاط النظام. ونفى أبوسبيب أية علاقة للحزب بالمعارضة التي يقودها علي محمود حسنين في الخارج. هذا وغيره من الإفادات نطالعها خلال هذا الحوار: { الحكومة تُحمِّلكم مسؤولية طرح تقرير المصير لأول مرة في مقررات أسمرا؟ - هذه حجِّة واهية وجدتها الحكومة «شمَّاعة» تريد أن تعلق عليها فشلها في المحافظة على السودان موحّداً، لكن الحقيقة التي لا يستطيع أحد إنكارها ومثبتة بالوثائق هي أن الحزب الاتحادي هو الحزب الوحيد في التجمع الذي رفض التوقيع على بند تقرير المصير عندما عُرض في اجتماع أو مؤتمر أسمرا للقضايا المصيرية وكان يمثله في ذلك الاجتماع أحمد السيد حمد وسيد أحمد الحسين وكلاهما رفضا التوقيع على بند تقرير المصير ولا تزال خانة الحزب الاتحادي في قائمة التوقيعات خالية؛ لأنه تحفّظ على تقرير المصير. لكن الشيء المحيِّر أن الحزب أصدر بياناً بذلك ونُشر في الصحف «لكن الناس ما قادرة تفهم ليه ما عارف»! { لكن الحزب كان يترأس التجمع الذي ضمَّن هذا البند في توصيات مؤتمر أسمرا؟ - النظام يقول ما يشاء وهو يتلفت باحثاً عن ورقة توت يغطي بها سوآته في تقسيم السودان وعليه أن يتحمِّل المسؤولية وحده لأنه قابض على كل شيء في البلد. { هل يمكن القول إن الحركة الشعبية استغلت قوى المعارضة بالتجمع لتحقيق تطلعاتها؟ - الحركة كانت مع قوى المعارضة في التجمع كتلة واحدة في الأهداف والبرامج، لكنها تخلّت عن التجمع منذ أن أقدمت على مفاوضة النظام وذهبت لوحدها ووقعت اتفاقية نيفاشا الثنائية مع المؤتمر الوطني، وهذا يكشف بوضوح أن الحركة كانت تأخذ قوى المعارضة لمسائل مرحلية أو قُل عملية خداع بالواضح واستغلال. { ألم يكن هناك تنسيق بينكم داخل المجلس الوطني كقوى معارضة أو كتلة تجمع؟ - للأسف الحركة كانت تتنصل عن أي اتفاق للتنسيق بيننا داخل المجلس الوطني ونحن خضنا معها تجربة المعارضة بعد اتفاق السلام، نحن كنا نمثل التجمع داخل المجلس الوطني وأنا كنت رئيس كتلته، كنا نجتمع مع الحركة ونتفق على خط معين في الخارج وعندما نأتي إلى الجلسة المحددة نتفاجأ بأن الحركة تراجعت عن اتفاقها معنا في عدم الموافقة على إجازة مشروع قانون أو برنامج معين لكنها تخذلنا ونتفاجأ بأنها تناصر خط المؤتمر الوطني. وأيضاً في بعض المرات نتفق على مقاطعة جلسة فتخذلنا؛ نحن نقاطع وهي تواصل الجلسة وكذلك هي تنسحب نحن نواصل وهكذا كان شكل علاقتنا مع الحركة التي تنصلت عن كل شيء يجمعنا معها. { برأيك، هل يمكن أن تتكرر تجربة التجمع؟ - في تقديري أن تجربة التجمع لن تتكرر لأنها كانت فريدة جمعت كل القوى السياسية السودانية في صعيد واحد في مواجهة نظام الجبهة الإسلامية وكانت فصائل التجمع قوية وقياداتها متماسكة لكن هذه القوى السياسية أصابها داء الانشقاقات بعد أن عادت إلى الداخل واختلفت فيما بينها.. (ثم أردف بعد ضحكة): أنا افتكر أن القائمين على النظام أذكياء جداً عندما أفلحوا في شق هذه الأحزاب بدرجة جعلت المعارضة كسيحة ولا يُعوّل عليها. والأمل الآن كله معقود على الشعب السوداني في قيادة خط التغيير لما يعانيه من جوع ومرض وفقر وتشريد عطالة، وأقول تحرُّك الشعب هو الذي يجعل الحياة تدب في هذه القيادات وليست القيادات هي التي تحرك الشارع. { لهذه الدرجة قوى المعارضة عاجزة عن تحريك الشارع؟ - أنا رأيي الشخصي أن هذه الأحزاب بصورتها الحالية وما تعانيه من انشقاقات داخلها وخلافات وصراعات فيما بينها لن تقوى على إخراج الشارع لينتفض إلا بمعجزة من الله. { المعطيات التي توفرت لانتفاضة أبريل ألا يوجد القدر اليسير منها الآن؟ - النظام الآن قابض على كل شيء، كل مقومات التغيير مسيطر عليها النظام في مقابل أحزاب عاجزة ليس لها أية مقدرة على الحركة «ومفلسة» لا تملك مالاً تستطيع أن تعمل به أي عمل جماهيري أو حتى تصل إلى جماهيرها لتبصرها وتوجهها، وكل التعبئة الجماهيرية يقوم بها المؤتمر الوطني. { لكن الجميع يراهن على تحالف المعارضة؟ - حسب قراءتي للخارطة التي تسير عليها المعارضة الآن هي معارضة شتات لا يوجد أي برنامج موحّد الآن واضح يربط بين القوى المعارضة؛ فكل حزب جمَّد برامجه ومبادئه مؤقتاً واتفق مع الآخرين على إسقاط النظام لكن السؤال ماذا بعد إسقاط النظام من برامج للتأسيس لمرحلة جديدة لإدارة البلد؟ وهذا مؤشر غير جيد لنشوب نزاع وصراع والسودان يمر بمرحلة دقيقة جداً لا تتحمل أدنى صراع أو نزاع. { إذن ما المخرج؟ - على الجميع أن يبحثوا عن الحد الأدنى الذي يجمع هذا الشتات والسعي لإقامة حكومة انتقالية يشارك فيها الجميع بما فيهم المؤتمر الوطني للإشراف على إقامة انتخابات حرة ونزيهة وهذا هو الحل الأمثل الذي يرضي كل الأطراف المتناكفة الآن فيما بينها حتى أحزاب المعارضة التي يربطها فقط إسقاط النظام. وبذلك يمكن تجنيب البلاد مخاطر الانزلاق إلى الهاوية التي وضعنا المؤتمر الوطني بسياساته على حافتها. { ما هو موقفكم أنتم كحزب مما تطرحه قوى المعارضة؟ - المعارضة القائمة الآن يجمعها ما اتفقت عليه في لقاء جوبا ونحن لسنا أعضاء في تحالف جوبا أصلاً ولم نشارك فيها ورفضناه منذ البداية وعندما كُوّنت لجنته أو سكرتاريته وجهت لنا دعوة ورفضنا المشاركة. { لماذا رفضتم المشاركة؟ - لأننا كنا نتمسّك بالتجمع الوطني الديمقراطي وهم يريدون أن يكون تحالف جوبا بديلاً للتجمع، لذلك هذا التحالف نحن لم نشارك في تكوين سكرتاريته ووضع أوراقه ولا علاقة لنا به ولسنا طرفاً فيه. { لماذا تتمسّكون بالتجمع؟ - التجمع انتهى؛ الحركة انفصلت بالجنوب وكوّنت دولتها والأحزاب الأخرى الشيوعي والأمة والبعث شكلت جسما معارضاً جديداً أطلقت عليه اسم «قوى التحالف» وضمَّت معها المؤتمر الشعبي. وكما قلت لك هذا تجمع شتات لا يجمعه برنامج موحّد. { إذن، ما هو موقف الحزب الاتحادي من هذه الساحة التي تعج بكثير من الأحداث والمواقف؟ - الحزب الاتحادي له طرحه وموقفه الذي يتمسّك فيه برفض الشمولية وإيمانه بضرورة ذهابها وإقامة حكومة انتقالية تدير انتخابات حرة ونزيهة ولديه من المقومات لتحقيق ذلك، لكن ما ينقصه عدم قيام مؤتمره العام الذي يؤسس لتنظيم يدير ويحرك كل هذه الأدوات ويقود جماهيره الكبير المنتشرة في مساحة واسعة من السودان قيادة سليمة وتجمع فصائله. { أليس عدم التنظيم الذي أشرت إليه يمثل معضلة تواجه الحزب وتقعده عن القيام بدوره؟ - نعم هي مشكلة كبيرة جداً تواجه كل الأحزاب السودانية ولسنا وحدنا ونحن نعترف بها ومقدور عليها عندنا، وبدأنا الآن في الإعداد لقيام المؤتمر العام الذي حدد له مولانا الأول من مارس وبعدها سيعود الحزب الاتحادي قائداً وموجِّهاً للساحة السياسية السودانية وهذا هو موقعه الطبيعي عندما قاد الحركة الوطنية وحقق الاستقلال وحافظ على السودان متماسكاً. { ذكرت أنه لا علاقة لكم بقوى المعارضة، وعلي محمود نائب رئيس حزبكم يشارك في اجتماعاتها ويقود الآن ما يُسمَّى الجبهة العريضة في الخارج، ما هذا التناقض؟ - علي محمود رجل وطني وغيور وسياسي محنك وقلبه على البلد، لكن الخط المعارض الذي يقوده الآن في الخارج مسألة شخصية تخصُّه هو ولا يمثل رأي الحزب الذي لم يجتمع - أي الحزب - ويبعث بعلي محمود ممثلاً له في الاجتماع الذي تكوّنت فيه هذه الجبهة العريضة المعارضة في الخارج. وعلي محمود اجتمع مع مجموعة من الناس المعارضين للنظام في الخارج وقال هذا رأيي الشخصي ولم يفوضه الحزب للمشاركة باسمه في هذه المعارضة. { ألم يشاور علي محمود الحزب عندما شارك في اجتماع جوبا واجتماع تكوين الجبهة العريضة في الخارج؟ - الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل لا صلة له بما يقوم به من قيادة خط معارض، لكن كما ذكرت لك أن علي محمود رجل وطني ومناضل له تاريخه وهذا لا ينكره أحد، لكن ما يقوم به لا علاقة للحزب به. { هل تمَّ فصل علي محمود بسبب خلافه مع الحزب؟ - حتى هذه اللحظة لم يصدر قرار بفصل علي من الحزب. { ما الغرض من الاجتماعات التي عقدها رئيس الحزب مع الرئيس البشير؟ - رئيس الحزب مولانا محمد عثمان قدَّم مبادرة لجمع الشمل لأن السودان يتعرض إلى مخاطر التمزق وكثير من المهددات لوحدته ما يتوجب على الجميع التواثق على شيء يحمي البلد، والحزب متمسّك بوحدة السودان وسعى للحفاظ عليها ورغم الجهود التي بذلها مولانا محمد عثمان للحفاظ على وحدة السودان إلا أنه للأسف تمزق وانفصل الجنوب. { هل يمكن أن يفاجئ الحزب الاتحادي الديمقراطي الساحة السياسية ويدخل في تحالف مع المؤتمر الوطني بموقفه الرافض للدخول في تحالف المعارضة؟ - السياسة كل شيء وارد فيها ولا يوجد شيء مستحيل وقد يتفاجأ الناس بأمر لم يكن في الحسبان، وهذه مسألة واردة. والسياسة لا توجد فيها عداوة دائمة وكذلك العكس للتوافق مثلما حدث من الإمام الصادق المهدي الذي فاجأ الجميع باجتماعه مع الرئيس البشير في الأيام الماضية وقلب كثيراً من الموازين لأن هذا اللقاء لم يكن في الحسبان بعد حديث الصادق وتوعُّده بالإطاحة بالنظام أو اعتزاله السياسة. { هل يمكن القول إن الصادق تخلَّى عن المعارضة؟ - لا أعرف ماذا تقصد بالمعارضة، إن كنت تقصد تحالف جوبا أنا افتكر أن السيد الصادق تراجع عن اتفاقه مع القوى المكوّنة له وتنصّل عن تحالفه معها، وإن كنت تقصد معارضة حزب الأمة هذا شأن يخصُّه ولا دخل لنا به. { كيف ترى وجود د. الترابي في قيادة المعارضة بتوجُّهه الذي يختلف مع توجُّه القوى المكونة لها؟ - حقيقةً هناك تناقض محيِّر للغاية في تكوين التحالف المعارض الجديد يجعلنا نتساءل كيف تحالف الترابي مع هذه الأحزاب المكونة لهذا التحالف التي توجهها ليس إسلامياً؟ وهل تخلَّى الترابي عن مبادئه أم هذه الأحزاب تخلَّت عن مبادئها وأصبح الهدف إزالة النظام شعاراً موحّداً اتفقوا عليه؟ طيب السؤال: ماذا بعد أن يتحقق هذا الشعار؟ هل سيتفق الترابي مع مبادئ هذه الأحزاب أم العكس وهي تمثل أغلبية؟ لذلك لا بُد أن يكون هناك خط واضح يحكمه برنامج وميثاق يحكم ويضبط المرحلة المقبلة وهذا غائب أو تمَّ تجاهله. وأنا أفتكر أن د. الترابي له طرح يختلف مع توجُّه هذه الأحزاب واختلف عليه مع النظام الذي كان متربِّعاً على قيادته وكان عرَّابه ثم انقلب عليه. ونحن لم نلتقِ بالترابي أو نجلس معه لنطلع على طرحه ونضع خطوطاً مشتركة بيننا. { هل تريد التأكيد على وجود فوضى وتداخل وتشابك في خطوط تحالف المعارضة؟ - أنا لا أسمِّيها فوضى لكن لا يوجد شيء واضح يربط بين أجزاء هذه المعارضة سوى شعار إسقاط النظام وعودة الديمقراطية، فإن تحقق إسقاط النظام ما هو شكل الحكومة التي ستدير المرحلة الانتقالية؟ هذا غائب، وما شكل الدستور الذي يحكمها هل سيكون إسلامياً أم هو دستوراً علمانياً؟ كل هذه الأمور غامضة وغير واضحة وستُدخل البلد في مأزق جديد إن لم تُعالج الآن. { هل تتوقع بالنظر إلى تصريحات بعض القيادات النافذة في المؤتمر الوطني، التي وُصفت بالمتطرفة، أن يعودوا إلى نهج التسعينات؟ - النظام الآن من المؤكد أنه اتَّعظ بما جرى في تونس ويجري في مصر الآن والدول العربية الأخرى في أن يتنبه لخلق تحصينات له ويعيد حساباته لاتِّخاذ ما يراه مناسباً لحماية نفسه من أية ثورة أو هزة متوقعة قد يتعرض لها.