الأخ الأكرم/ صاحب الملاذات سلام من الله عليك وبركاته.. وبعد تذكُر أنني قد اتصلت عليك صباح الجمعة الرابع من فبراير مهنئاً بالدور المتعاظم للصحافة والصحافيين في حرب التحرير على طول الوطن العربي وعلى وجه الخصوص في أرض الكنانة مصر. وتذكُر أنني قد همست في أذنك أن الوضع الدرامي في ميدان التحرير الذي سمح بعرض مشهد على شاكلة (الخيل والبغال والحمير لتركبوها)،! يمكن أن يتيح فرصة لمشاهد أخرى أكثر درامية وأشدّ تأثيراً.. مثلاً دراما «رحيل الرئيس مبارك»!! وذلك بعد القيام بسيناريو أو «تنشيط» على طريقة الفيسبوك للكلمة «أرحل» ليكون رحيله درامياً دامياً وأسطورياً «عليَّ وعلى أعدائي» بعد أن احترقت كل أوراق مبارك ورهاناته، يصبح للأذكياء في حلبة الشطرنج هو نفسه الورقة الأخيرة والخطيرة. ولم يكتمل سيناريو هذا التوجُّس في نفسي حتى فوجئت بالنّبأ صباح اليوم السبت وب(المنشيت) العريض في صحيفة (الأهرام) المصرية «نائب الرئيس حسني مبارك يتعرّض لمحاولة اغتيال»! وصباح اليوم في مسجدي بالقادسية تحدثت مع المصلين في درس الصباح عن مفهوم (البلطجة) في الثقافة المصرية وقلت هو في الحقيقة مفهوم تاريخي وقديم منذ أن افترت امرأة العزيز فِريتها على يوسف الصدّيق عليه السلام، وقالت مقالة الكذب «مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءَاً إِلاَّ أَن يُّسْجَنْ أَوْ عَذَابٌ أَلَيمٌ». تلك كانت (بلطجة) في بلاد صاحبة الجلالة، ومن أجل أن تكتمل الصورة الدرامية ويتألف العمل الفني الإجرامي تعد صاحبة الجلالة متكأً للنسوة وتُؤتي كل واحدة منهن سكيناً وتقول اخرج عليهن! وعند يوسف نفسه تتلاقى (المقالب) ويتعرّض يوسف من قبل لبلطجة إخوته الذين (جاءوا أباهم عشاءً يبكون قالوا يا أبانا إنا ذهبنا نستبق وتركنا يوسف عند متاعنا فأكله الذئب، وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين)، ويكتمل الفعل الفني ويزداد تألُّقاً وحبكة عندما يأتون على قميصه «بدمٍ كذب»!! ثم يظل الفعل الفني الإجرامي المكبوت في النفسية الدرامية يُصر على تكرار نفس النسخة في المشهد المصري عبر التاريخ فتنتج البلطجة السياسية الفيلم الكبير «حادثة المنشية» ويهتف بطل الفيلم أمام الجماهير المحتشدة في ميدان المنشية بعد أن نجا من الموت بأعجوبة: إذا مات جمال فكلكم جمال! ولا نسأل بعد ذلك اليوم عن كيف ساء صباح ومساء الإخوان المسلمين. وقبل أيام قلائل يحتشد المشهد المصري بحادثة تفجير أكبر الكنائس في الإسكندرية فتنفجر الأوضاع وتزأر الذئاب والضباع وتحد أسنانها وسنانها، ولكن العقلاء وحتى عامة الشعب يعرفون الرواية القديمة المتكررة والأسطوانات المشروخة. واليوم يمتلئ المشهد المصري بميدان التحرير.. الشعب المصري في أعظم تجلياته وبهائه وتألقه، لوحة، بل هي لوحات ستبقى في ذاكرة الزمن، ومركوزة في ضمير الأجيال القادمات، لكن النفسية المشوشة بأدران التاريخ، التي أُشربت لوحة الفعل الدرامي الإجرامي القبيح، واستعذبت المأساة والدماء والشرور لا يمكن أن ترضى بهذا الجمال المتألق اليوم في ميدان التحرير، ومثلما ضاقت الأنفس المتسخة بجمال يوسف وبهاء طلعته فلم تهدأ حتى جعلته في غياهب الجبّ، واليوم نفس أولئك هم هؤلاء يريدون أن يطفئوا نور الشعب وطلته البهية في ميدان التحرير.. أخوكم/ عبدالمنعم الزين صالح