(وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ) صدق الله العظيم. «الآيتان 5 - 6 من سورة القصص» والقصص المشوقة المصاحبة لحدث الثورة الشعبية في مصر، تكفي حدثاً لحالها؛ من الحائط الكاريكاتيري الذي أصبح حائط المَضْحَك للشعب المصري، يأتي إليه إما راسماً أو معلقاً أو متفرجاً، للتنفيس بشكل مختلف عن مكنون صدره، بجانب الملامح لأشكال القبعات الواقية من الشمس والقنابل والكمامات، إلى سجادات الصلاة والنوم والقيلولة، وبالطبع النشاط الثقافي والاجتماعي المصاحب للثورة. كل تلك القصص ستكون ذات تاريخ آخر، روايات وأفلاماً، تروي لأجيال قادمة ما الذي حدث هناك. وهنا ننتظر يدنا على قلب ريموت كنترولنا، كجيران يصلنا صوت/سوط الثورة، نخاف أن يؤثر ذلك بالطريقة السلبية كما قد سبق، وبلا وعي، ولا معرفة بجغرافيا الإنسان والمكان السوداني، نتوقع ونحلل، وبلا شك نكتب من وحي الانتظار، وربما التوقع أو محاولة المشي على شرف الممشى الأحمر، ولو من بعيد لبعيد. فمن قريب تقول الشاشات الحية ما يرفض الواقع التحدث عنه، ونقع نحن في فوضى الحواس بين أن نصدق ما نراه، أم نعترف بما نسمعه، أم نؤمن بما نحسه؟ والحكومات العربية ترفض التصريح بموقف واضح تجاه هذه الثورة الشعبية، كما حدث من قبل في تونس، إن كان بالموافقة أو بالرفض لثورة الشعب المصري، كي لا تقع في المحظور؛ فإن سقط النظام وهم رافضون للثورة، جعلوا كدول في القائمة السوداء للحكومة المجددة، وإن استمر الرئيس (مبارك) وهم موافقون على الثورة، وضعهم لاحقاً في قائمة الأعداء، وما بالك بعداء الرئيس (حسني مبارك)!! لكن المباركة لتلك الثورة الشبابية البحتة - رغم محاولات اعتلائها من الأحزاب المسنّة- تأتي من قلوب الشعوب على الهواتف المداخلة للقنوات المفتوحة أو الرسائل القصيرة أو على الشبكة العنكبوتية أو... إلخ، ومن غير خوف من عداء أو قائمة سوداء، إنما كفعل مجذوب نحو عسل وطني مختلف عن طعم الخل الحكومي، ولو كان صحياً! ربما لهذا نتفق على أن تونس مثلت (كثورة ياسمين) مركز التغيير في المغرب العربي، كجغرافيا متشابهة الملامح في الإقليم المغاربي، جعلت -برضا أو إباء- أن يتم التغيير حتى في المملكتين المغربية والهاشمية بشكل حضاري ومتقدم من الحذر لثقافة (بلّ الرأس). وإن مصر بجامع رؤوس ثقافاتها وتحررها الديني والثقافي والإنساني، وتقدمها السياسي والاقتصادي (كثورة فل)، هي تسمية مقترحة لأن مصر ملكة الفل كورد يأتي مساءً بروائحه، وورقاته الناعمة عقد للعشاق، ويزهر صباحاً كبياض يفتتح اليوم برضا رزقه للباعة المتجولين* ستمثل بالضرورة النواة لخلية التغيير للألفية الإنمائية؛ مختلفة تماماً عمّا يظنه الناس، ليس في إقليم المتوسط فقط، إنما لأفريقيا عموماً، وبلا شك العرب، رغم بطء سلحفاة التغيير السياسي في رؤوس الحكام المعنيين في الوصول إلى (ميس) مريح للشعب والنخبة الحاكمة، إلا أنها ستصل في النهاية لتخبرهم بما يريده الشعب. وبالتأكيد لا ضرورة في كل بلد لأن يكون المطلب إسقاط النظام، لكن سماع ما يريده الشعب من تصحيح فكرة الفساد الحكومي، وحتى النزول عن صهوة الخطاب الديني المتزمت غير المحترم لتعاليم الدين السماوي الأعلى، المنادي باحترام الآخر؛ إنسانيته ودينه وثقافته. إن ثقافة التماهي مع الآخر التي نرعاها رسمياً في السودان، بحاجة كذلك إلى أن تتغير، تأدباً لثورة الشباب المصري الرافض للاندماج في الغير، أو الانخراط في موجة التفاوض والمساومة على سلطة وثروة، بأن نعرف كشباب مطالبنا، ونتحدث عنها بأدب وتهذيب فكري وإنساني، وبلا تخريب على كل مستويات الحواس، بدءاً من اللغة - التي صارت لدينا منحطة لدرجة الاستشهاد ب-(الراندوك) المخترع كلغة رفض كاسرة لواقع خشن يتداعى إلى الزوال الآن، وللأسف تمارس ممن يدعون نخبويتهم كشباب لهذا البلد! وختاماً بمعرفة أدب المشي على ممر ضيق بدون الاصطدام بآخر، أو عدم الاعتذار بلياقة.. حتى لا يتحول هذا الممر إلى سجادة حمراء من الدم ونروح (سمبلا)!!.. - وسمبلا تعني ساااي، بعربي جوبا وهو كلغة يُحْتَرَم.