بغيابه هل يأكل الأطفال حلاوة المولد؟ «ترقّي الأخلاق يسير في اتجاه الحرية والإبداعية كما يشهد بذلك تزايد العطف على الضعفاء والأطفال والحيوانات في شتى الأنظمة الأخلاقية الحديثة» (Berdyaev the dedingman) بمناسبة الذكرى الثالثة لرحيل الموسيقار المبدع عبد الله أميقو نتحدث عنه بوصفه كائناً أخلاقياً حاملاً للقيم ومبدع المعايير وأنا ممسكة بقلمي أتهيأ لكتابة هذه المقالة سألت زوجي كموسيقي متخصص عن مجموعة آلات النفخ الخشبية والنحاسية كالباصوت والترمبون والترمبيت والفلوت والبكلو الساكسفون والكلارنيت، ...إلخ وصولاً إلى آلة التخصص لأميقو، وبعد توضيحه سألني عن موضوع مقالة اليوم فأجبت عن عبد الله أميقو رد مبتسماً ما علاقة عبد الله أميقو بالمسرحة؟ قلت أقرأوا ما نكتبه نحن أهل الدراما واحتفلوا بذكراه كواحد من كنوزكم الموسيقية فهو المبدع الذي كان يمتلك إمكانيات روحية بعيدة المدى امتدت ببصره إلى الأمام لتعمل على استجلاء قيم جميلة خالدة فوظيفتنا جميعاً أن نشهد بذلك، فنقل هذه القيم إلى رجال المستقبل الذين هم ورثتها الشرعيون فالواجب إحصاء أعماله والاستفادة منها لكي يركز الجيل الجديد بمعايير جماعية في لباب تراثه الحضاري وثمار قيمه الروحية بالاستلهام والمحافظة والاتباع للقيم الجميلة فقد كان ذا قوة إبداعية كثيراً ما كانت تجلب له السعادة خاصةً مع الأطفال الذين كان يحرص على التعامل معهم وعلى تفتح أذهانهم للقيم الخلقية التربوية: بدت الدنيا تغزل لون الفرحة في غنيه فجت بطن الأرض في ثانية العايش فيك أبداً ما يحزن هذه هي الدراما الموسيقية التي قامت بتأليفها الأستاذة سمية الجيلاني وصاغها لحناً عبد الله أميقو التي حازت على المرتبة الأولى في منافسات الدورة المدرسية قبل رحيله بأيام. وبالرغم من دراستنا للموسيقى كمواد فرعية ضمن منهج المسرح لأهميتها كعنصر مهم في العرض المسرحي لكن هذا لا يكفل لنا الحق بأن نقيم متخصص الموسيقى. كنت من ضمن أعضاء لجنة التحكيم آنذاك لتقيم الدراما الموسيقية (وكان المقرن) أمسكت بقلمي قبل العرض فكتبت العمل الأول ذلك لأنني أتضاءل موسيقياً أمام أميقو الذي وقف بشموخ يشارك الأطفال في تقديم العمل الذي استخرج منه القيم الضمنية الباطنة في صميم التربية الأخلاقية للبيئة والمجتمع هذا الفعل الإيجابي والاستبصار الفردي بتواضعه الذي لا يخلو من خيال وسعة أفق في علاقاته مع الأطفال وزيادة الاهتمام بهم وتقوية العلاقات، فالمحبة التي يتَّسم بها ليست مجرد إحساس بالواجب فقط بل هي القوة الفاعلة والمحركة للأخلاق. كتبت في حينها: أنا ما قيمتك ما دنت القيمة التحكم عملك أنا ما قيمتك والتحكيم أبداً ما شملك منو البقيِّم نبل إحساسك والأطفال النغمة تسطر في كراسك يا الطاغي حماسك يا الصعب قياسك منو البقيِّم صدق إحساسك؟ { من أين يأتي الأطفال بحلاوة المولد؟ إذا كان كثير من فلاسفة الأخلاق قد جانبوا الصواب حينما راحوا يبحثون عن خيرية الفعل الخلقي؛ فإني ريد reid قد قرر أن فعل الخير في الإبداعية قدر ما في أي عمل فني وأن أي فعل خير لا يمكن أن يتجلى في العمل بوصفه كلأً عينياً وأن وجود فعل الخير لا يمكن أن يتمثل في الدافع إليه ولا في النتائج المترتبة عليه، بل في صميم الفعل الخير ككل (الأخلاقية الإبداعية) وحسبنا أن نمعن النظر في الخير فيرتبط ذلك بتأثير طفولته في تقديمه لأعمال هي نسيج وحده. في كل احتفال بالمولد النبوي يحرص أميقو على توزيع حلوى المولد على الأطفال جميعاً بمن فيهم أطفال الأسرة. والطفل «تجاني» ابن أخت أميقو حرمته الأقدار من الاستمتاع بالحلوى لفقد خاله ولظروفه الأسرية، متسائلاً: «إحنا تاني ما حناكل حلاوة المولد»؟ تقمصت شخصية هذا الطفل في قصيدة «أريدك خالي» وهي: «أنا لست أدري فخبريني أمي لماذا أحس بهذا الأنين أنا لست أدري لماذا توقف نغم الرنين انا لست أدري لماذا هجر الطائر التغريد حزيناً حزين ولكني أدري بأن شقيقاً لأمي كثير العطاء كنبع تدفق وبرق توهج صدوق تصدق وقد كنت أعلم أن ميلاد صديقي أمجد في حفل مبهرج ودار بديع كقصر مشيد وقد كنا نطفي الشموع وتأكل الجاتوه والحلوى نغني ونرقص ونسعد ويوم ميلادي كفاني حب لماما احتواني وكان خالي يوماً أتاني وقال لي ابن أختي تجاني إن ميلادي الحقيقي هو ميلاد الرسول محمد في جمع مسجد وقد كان في كل عام من الليلة البهية يأتي الينا بحلوى شهية من السمسمية والحمصية والفولية والعدسية والجوزيه عروس لأختي بألوانها الفسفورية حصان صغير من الحلوى السكرية أنا لست أدري لماذا تأخر مضى الليل ولم يأتِ بالحلوى إلينا وكان خالي إلى ساحة المولد ترجل لماذا تأخر؟ سأرسم بلون الحلاوة على سفح الكلمات لتخبرني بالأيام الآتيات سأسال وحدي ليالي باكيات يا ليلة المولد ردي ألم يشارك في الاحتفال خالي يا صدف البحر تكلم أنا أتالم خبريني أمي أعلم أن العمر فانٍ أنا لست أدري أريدك خالي مكانك خالي بريدك وينك أريدك أنت بعينك نحاول أن نكفيك دينك نحاول قياس المسافة بيني وبينك» هكذا علاقة الأطفال بأميقو الذين افتقدوه فأخلاقه قد اضطلعت بمهمة المساهة في إيقاظ إحساسه بالقيم ولعل ما لاقاه في حياته هو ما دفعه إلى هذا النشاط اللا إرادي الإيجابي الحر الذي ينظم دوافعه وينسق حواجزه وكل التناقضات في حياته الباطنة في طفولته وإيحاء أساليب سلوكية لفض النزاع الذي يقوم في نفسه بين الواجهات الخلفية المتعارضة فكثير مما ينقص الطفل متطلبات كثيرة وأبسط فعل من أفعال الواجب أو الطيبة أو المحنة أو ضرباً من الجهد الذي لا يخلو من الجانب الإبداعي. إن أميقو قد جاء قبل أوانه أو في غير أوانه ومن ثم فإنه لا بُد أن يموت ومعه حقيقته، فقد كان يحمل فكرة حية وقوية ولكن حياتها وقوتها فيه هو لا في مجتمع تكون مهمة أهل الفكر هي العمل بكل ما لديه من إثراء على تفتح النشء لما ينتظره من قيم جميلة ومعايير مجهولة في من رحلوا عنا من المبدعين. حلاوة المولد بقت أغلى فكيف يأكل تجاني؟! لنا لقاء والأطفال والحلوى