من مقولات (ألفارو موتيس) في إسبانيا في القرن التاسع عشر عقب حصار الشعب له منادياً بالاستقلال. { ومن عجائب الدنيا الآن تنحي (حسني مبارك) عن حكم مصر هكذا، فقط و بعد أن أكد أمس الأول أنه لن يرحل ولن يتنازل ولن يملي عليه أحد فعلاً حتى تنتهي ولايته، لكنه سيقوم بتعديل الدستور! وعقب خطابه المؤثر الأخير، حيث تعجب فيه من أبناء مصر الجاحدين، كيف أنهم لا يعرفون قيمته كخادم للأمة طوال ثلاثين عاماً؛ رحل حزيناً، منحسر العواطف، خالي الوفاض من الوفاء مخلوعاً بشكل سلمي وراقٍ! ثم سالت مشاعر الناس - في كل العالم - جداول في كافة اتجاهات الشعور بين الفرح والحزن كذلك والاندهاش والاستعجاب و... لكنها تبدو جميعها حزمة ضوء في نفق مظلم طال ثلاثة أسابيع نام فيها الليل واقفاً على عقبيه ينتظر الصباح، واتكأ فيها النهار على أكتاف الجيش والمواطنين متعباً من طول الانتظار، وجلس العالم أجمعه - حتى الذين لا يعنينهم المكان ولا الزمان - القرفصاء يأكلون التسالي على شرف مهرجان مصر الإنساني للأفلام الحقيقية. { وحقيقة ما رآه الناس كان عبر شاشات فضائيات خدمت النظرية الإعلامية بلا تحييد، مهما حاول البعض التشكيك في نوايا مراياها العاكسة ومن يقف خلف ميكرفونها يذيع أو ينقل، واقعة عملاقة من ثبات شعب لا يسيَّره حزب إنما حق - حيث لا يضيع حق وراءه مطالب- واقعة جعلت كل الأحداث تبدو قزمة أمامها حتى تأكيد انفصال الجنوب بإعلان نتيجته على استحياء فقير من النزاهة وتأييد الرئيس (البشير) لنخرج من نفق الديون والمحكمة و... { واقعة ميدان التحرير، أوقفت الزمن إلا بحسب دقائقها وساعاتها، وأوقفت حركات التغيير الأخرى إلا من حركة فتية كفروا برب دولتهم وزادهم ذاك الكفر إيماناً بقضيتهم وناموا على أرض الواقع يأكلون ويشربون وينثرون الشعر ويثبتون على موقفهم رافضين كل زيف وغرور سياسي إلا الذي يشترونه ببضاعة عقلهم. { والعقل يبرر للرئيس السابق (حسني مبارك) موقفه الأمني، ويعذر من أنذره بالرحيل، والعقل يرفض أن يكون موافقاً أو مخالفاً لنهاية إنما يوجد الأسباب لمن تقطعت به سبل التبرير. والعقل ذاته هو الذي حرك كل هذه الواقعة التي لم تكن كاذبة أو موجهة أو يديرها خونة من خارج البلاد - كما يدعون - لكن القلب يخالف كل ذاك وتقشعر جلدته من ثبات كريم ومحافظ يقف على قدميه من أخلاق شعب تربى على حب وطن وليس حب رئيس أو حزب. { والأحزاب التي حاولت أن تمتطي صهوة الثورة الوطنية ترجلت بكامل عتادها بعد أن رفض جوادهم الركوع لها، وذهبوا يسترزقون من فتات الحوارات والمناقشات فانتصر الشعب مرة أخرى من بعد مرات كثيرة وأثبت للعالم أن ثورة الياسمين بكل خرابها الحزبي لن تنفع نموذجاً لثورة شباب مصر - بكل احترامها - الذي مضى ينظف الشارع ويحمي الثروات الوطنية ويسقي الجيش الذي يسد بدباباته الطريق ويبحث معه عن الخارجين على القانون. { والقانون تمّ تعديله قبل الرحيل كأفضل ختام لفصل رواية (مبارك) ومن هنا تنتهي مرحلة لتبدأ أخرى جديدة يعرف من سيأتيها أنه ليس حاكماً لشعب إنما محكوم به وبما يريده ويرضيه. وما يرضي كل إنسان بغض النظر عن مكانه في الجغرافيا أو التاريخ أن يحترم حقه في الحياة وحتى الدستور بعدم تزوير اسمه وخياره في الانتخابات. لهذا فإن الحركة الفضائية التي تغيِّر الآن مسار الكواكب في درب العرب السياسي جديرة بالاحترام والتقدير بغض النظر عن الموقف الفكري أو السياسي تجاهها؛ فهي حركة تثبت لكل شعب أن بإمكانك التغيير فقط امتلك له الأدوات، إن كانت فكرةً أو إيماناً، فما يؤمن به كل حاكم عربي، إذا اختلف شعبه عليه، أنه ليس في حاجة لمراجعة إدارة حكمه إنما بحاجة لإخراج (الشيطان الذي يوجِّه أمور حياتهم) منهم وهذا الإيمان هو ما يجعلهم يرحلون ولا نسمع في تاريخ البشرية أبداً بشعب سابق أو أسبق.