قبل يوم الأربعاء أمس الأول كان واضحاً أن المعارضين العازميين على تنحي الرئيس مبارك يسيطرون تماماً على الشارع المصري، وكانوا يتظاهرون ويهتفون وينشدون ويغنون في ميدان التحرير وغيره من الميادين والساحات والشوارع في القاهرة وغيرها من المدن المصرية. وكان المشهد رائعاً جميلاً مهيباً تسمّرت حوله العيون على الفضائيات في كافة أرجاء العالم. وفي نفس الوقت بدأ يتكون شيء من الإعجاب بالرئيس المصري بسبب صلابته وثباته واستجاباته أو وعوده بالاستجابة لمطالب الشعب، وإن لم تكن بالقدر المرتجى.. وأيضاً وبالتزامن مع هذا الاعجاب، كان ثم انتقاد له على هذا العناد فالأصول هي أن ينسحب الحاكم محتفظاً بكرامته عندما يُدرك أن الشعب لا يريده. وإذا كنا هنا في السودان نشيد بوفاء الرئيس المشير عبدالرحمن محمد حسن سوار الذهب بالعهد عندما سلّم السلطة للحكومة المنتخبة في الموعد المحدد فإننا - وتشبُّث الرئيس مبارك بالسلطة يطغى مع اعتصام المتظاهرين في ميدان التحرير على المشهد السياسي المصري- نتذكر موقفاً آخر سودانياً أيضاً بطله الرئيس الراحل الفريق إبراهيم عبود فعندما أدرك أن الشعب في أكتوبر 64 لا يريده فإنه بكل النبل والذوق تنحى عن الحكم بناءً على رغبة الشعب كما جاء في خطابه. ولم يحدث شيء من ذلك في حالة الرئيس مبارك قبل الأربعاء أمس الأول ولن يحدث شيء مثله بعد يوم الأربعاء فقد ظهر أنصاره ودخلوا ميدان التحرير وسواء أكان أولئك الأنصار بلطجية أو من رجال الأمن أو من المأجورين، فإن الحقيقة الجديدة في الشارع المصري إنه أصبح لمؤيدي الرئيس مبارك حضور.. وهو في بعض جوانبه حضور مسلح إعتدى على المعارضين مستخدماً العنف مما آثار احتجاجاً واسعاً داخل مصر وخارجها.. واستهجنه الجميع. ولقد رفع هذا الحضور (المباركي) في الشارع المصري رغم أنه ليس في قوة ولا في جلال الحضور المعارض ورغم الاستياء العام خارج دائرة الحكم من الطريقة التي تم بها رفع هذا الحضور معنويات النظام وأركانه وصحافته التي منها (الأهرام، والأخبار، والجمهورية)، إلى الدرجة التي جعلت نائب الرئيس اللواء عمر سليمان يقول إنهم لن يتحاوروا مع المعارضة مالم تتوقف التظاهرات؟! التي نزلت للشارع مؤيدة للرئس مبارك. ورغم ذلك فإن تغيير النظام مازال ممكناً رغم صعوبته، وسبب الصعوبة الأكبر هو أنه النظام الذي يحكم مصر.