{ لستُ مرتاحاً إلى حالة (الرجفة) والاضطراب السياسي التي يتعامل معها قيادات (المؤتمر الوطني) مع أحداث وتداعيات (الثورة) أو (الغضبة الشعبيَّة) في «مصر» و«تونس»، و«اليمن»، مخافة أن تنتقل العدوى عن طريق رياح موقع «فيس بوك» إلى السودان..!! { مضحك جداً، ومفزع في آن واحد، أن يقول نائب أمين الشباب في (المؤتمر الوطني) إنهم شرعوا في حوار مع شباب (الفيس بوك)..!! والأدهى والأمرُّ أنَّ ما يسمى بحركة (شباب من أجل التغيير)، و(جمعيَّة حماية المستقبل) - وهما تشكيلان حديثان لم أسمع بهما قبل أن ينشر الزميل الأستاذ «عزمي عبد الرازق» خبراً وتقريراً عن قصة الحوار (المزعوم) بعدد الأمس من (الأهرام اليوم).. الأدهى أن هؤلاء الشباب أكدوا أن دعوة الحوار لم تصلهم، وأن (المؤتمر الوطني) يحاور نفسه، وشدّدوا على التمسك بمطالبهم بالإصلاح والتغيير وتمثيلهم بصورة مرضية في المواقع الحكومية..!! ذات اللغة بذات المفردات التي كان يردِّدها شباب (ميدان التحرير) في القاهرة، عندما حاول نائب الرئيس المصري (المنصرف) اللواء «عمر سليمان» الجلوس إلى مجموعة منهم وابتدار الحوار..!! { غريب أن ينادي الفريق «صلاح قوش» مستشار الرئيس مدير جهاز الأمن السابق وغيره من قيادات (الوطني) بالحوار مع شباب «الفيس بوك»، وقد ظلّ يرفض، أو يهمل الآراء الناقدة والناصحة والمصوِّبة المنشورة بالصحافة السودانية على الأقل طيلة السنوات (العشر) الماضية، بعد انشطار الإسلاميين الشهير الذي خرج بموجبه (فريق الشيخ) إلى قيادة المعارضة العنيفة ابتداءً من ميدان دارفور، وانتهاءً بالتحريض على الاقتداء بثورة تونس قبيل اندلاع ثورة (ميدان التحرير) التي تمخّضت فولدت فأراً..!! والدليل على ذلك أن الدعوة إلى التظاهر في (جمعات الغضب) مازالت مستمرة رغم رحيل «مبارك»!! والسبب لا يخفى على عقول النابهين، (رحل مبارك ولكن لم يرحل نظامه.. ورحل «زين العابدين بن علي» ولم يرحل رئيس وزرائه محمد الغنوشي!!) { حالة (الرجفة) والارتباك التي تعتري الحكومة هذه الأيام، تشبه ارتباك (المدافعين) داخل (خط 18) في لعبة كرة القدم، التي تؤدي إلى ارتكاب أخطاء فادحة مثل احتساب ضربة من منطقة الجزاء، أو ولوج هدف في الشباك بقدم أحد (المدافعين)!! { وقد تمظهرت هذه الحالة في ردود أفعال متناقضة بعضها (عنيف جداً) كالتعامل بعنف زائد مع أي حركة طلابية داخل حرم الجامعات.. اعتصام العشرات احتجاجاً على حرمان خمسة أو عشرة من زملائهم من الامتحان بسبب العجز عن سداد الرسوم الدراسية!! وهو مشهد قديم متجدد تعودنا عليه منذ سنوات، وليس وليداً لمعاشرة ثورتي «مصر» و«تونس» ولا نتاجاً لعدوى (ميدان التحرير). إنها أزمة محلية، ومرض (سوداني) خالص يمكن أن نضيفه ضمن قائمة (أمراض المناطق الحارة)!! وقد كتبنا عنه كثيراً طوال السنوات الماضية ولم يأبه لنا مديرو الجامعات من المتجبرين، خاصة جامعة الشرطة (الرباط الوطني)، و(الخرطوم)، و(أم درمان الإسلامية)، و(السودان)، وغيرها فضلاً عن الجامعات (الخاصة) التي لا تعرف إلا لغة (الكاش) أو الشيكات!! لم يأبه لنا لا مديرو الجامعات.. ولا قادة (المؤتمر الوطني)، ولم يحاور أحدُ منهم المعسرين من الطلاب الذين يتذللون منكسرين على مكاتب السادة «البروفات»، ومن بين الحالات التي صادفتها، حالة الطالب الذي بكى بحرقة أمام السيد «البروف» برفقة موظفة العلاقات العامة التي تدخلت للمساعدة بعد نشرنا لمناشدة الطالب المسكين مقابل (ألفي جنيه) فقط ولا غير..!! فلم يهتز للبروف جفن، ولم يقبل لصحيفتنا (السابقة) مناشدة!! { الآن.. جاءوا ليحاوروا «شباب الفيس بوك» وتنظيماته الإسفيرية، التي لا يعرف منتسبوها أين تقع منطقة «غزالة جاوزت» في خريطة (السودان الجديد)!! { نحن من أنصار التغيير، ولطالما طالبنا به لسنوات قبل أن (يتسلق) الثوار المُحدثون في صحافتنا، ومواقع الشبكة العنكبوتية أسطح الثورات (المائلة) في «مصر» و«تونس»، وركبوا موجة المطالبة بالتغيير دون تبصر أو تدبر. { نحن ندعو الرئيس «البشير» إلى تنفيذ ما وعد به شباب (الوطني) أمس الأول بإحداث تغييرات جذرية بالحزب الحاكم تبدأ من (الرئيس) نفسه، كما أوردت الصحف أمس. { حسناً قال الرئيس، وننتظر بياناً بالعمل، خاصة أنه أبدى إعجابه بتجربة «الصين» في تحديد سن المعاش للسياسيين ب(60) سنة، وتغيير القيادات كل عشر سنوات. (تعلمون أن البعض ظل وزيراً أو قيادياً بالحزب ل(21) عاماً..!!). { نريد تغييراً حقيقياً، ليس في عمر الوزراء فقط، فقد يأتون لنا بوزير عمره «أربعون»، ولكنه متحجر الفكر، قصير النظر، مغلق أمام التحسينات!! وقد يأتون بآخر فصيح اللسان عربياً وأعجمياً، ولكنه فقير الرأي، ضعيف القدرات في مواجهة ألاعيب السياسة. وهنا يجب أن نعترف أن (الإنقاذ) افتقدت خلال الأحد عشر عاماً الماضية ثلاثةً كانوا يمثلون أبرز محترفي اللعبة السياسية هم: حسن الترابي، علي الحاج محمد، الراحل مجذوب الخليفة فصارت تلعب من بعدهم، مبارياتها (الدولية) بلاعبين (محليين)، مديري المكاتب، ومثقفي الصالونات ممن قضوا بعضاً من حياتهم في أمريكا أو بريطانيا.. وكأنها ميزة أساسية تجعلك عالماً وحصيفاً رغم أن رجلاً متقدماً في الإدارة والأداء السياسي هو الأستاذ «علي عثمان محمد طه» لم يغادر السودان إلاَّ في رحلات لأيام معدودات!! { لست من أنصار الحوار مع مجموعات ناشطة في «الفيس بوك» أو أي موقع الكتروني آخر، رغبةً أو رهبةً، فالحال مختلف في السودان، ومرتادو المواقع الإلكترونية عندنا لم يصلوا بعدُ إلى «ثلاثين ألفاً»، أغلبهم خارج البلاد، مقابل (3.4) ملايين مشترك في «الفيس بوك» بجمهورية مصر العربية، و(2.3) مليون مشترك في السعودية، و (1.3) مليون مشترك في تونس..!! وحتى لو كانوا مليون مشترك في السودان، فإن الحوار ينبغي أن يكون مع عامة الشعب، الحوار مع (قفة الملاح).. الحوار مع (جركانة) زيت الطعام التي بلغ سعرها (42) جنيهاً عبوة (9) أرطال!! وقد كانت سعرها قبل شهرين بضعةً وعشرين جنيهاً!! لماذا تحاورون شباب التغيير وأنتم تتوهمون وترتعبون أن من بينهم «وائل غنيم» الذي أوقد عود ثقاب الثورة المصرية؟، «وائل» الذي بكى على شاشة إحدى الفضائيات عندما رأى مشاهد قتلى وضحايا الانتفاضة، ولم يظن أنه سيقودهم إلى الموت!! ولم يكن يظن أن «مبارك» سيكلف وزير دفاعه المشير «طنطاوي» بإدارة الثورة!! والأخيرة من عندي. { حاوروا (ربات البيوت) وأسألوهن ولا تحاوروا شباب «الفيس بوك» فهؤلاء لا يعرفون أسعار «جركانة الزيت»، وكيلو اللحم، وكيلو الطماطم، والبطاطس، ورطل اللبن!! إسألوهن (كم ألف جنيه) تدفع الأسر مقابل إلحاق أبنائها برياض الأطفال والمدارس؟ كم تبلغ ميزانية التعليم في الأسرة السودانية إذا كان التلميذ الواحد يدرس في مدارس «البزنس» بتكلفة تبدأ من«3» آلاف إلى «15» ألف جنيه في ظل انهيار مستمر للمدارس الحكومية؟ { فشلت التظاهرات في «الخرطوم»، لأن أرباب المعاشات، والكادحين من العمال والموظفين، وربات البيوت لم يتجاوبوا معها انتظاراً للفرج، ولكنهم سيخرجون يوماً إذا اشتدت حلقات الضيق، وبلغنا ما بلغه المصريون من عنت العيش وعدد البطالى وكبت الحريات.