كان حسني مبارك في خريف رئاسته لمصر عنيداً، فقد رفض أن يستجيب لرغبة شعبه بالاستقالة ولولا أن الجيش أجبره لتشبّث بالحكم أكثر وأكثر. ويُقال الآن إن الذين كانوا يؤجّجون فيه الإصرار على البقاء هم بعض القريبين جداً منه سواء من عائلته وفي المقدمة منهم زوجته سوزان وابنه جمال، أو من كبار سدنة نظامه. ثم تنحى الرئيس يوم الجمعة 11فبراير الماضي، ويُقال الآن إنه سافر إلى شرم الشيخ قبل أن يذيع اللواء عمر سليمان خطاب التنحي. ويقولون الآن إنه يعاني المرض العضال، وظهر أن ما ردده الإعلام المصري مارس الماضي أيام كان الرئيس مبارك يتلقى العلاج في ألمانيا كِذب في كِذب، فالحوصلة المرارية بريئة وحقيقة مرض الرئيس هو سرطان البنكرياس، والبنكرياس غدة صمّاء وغير صمّاء في الوقت، أو أنه عبارة عن غدتين إحداهما صماء والأخرى غير صماء. وتفرز الغدة الصماء هورموني الإنسيولين والجلوكاقون وهما الهرمونان اللذان ينظمان نسبة السكر في الدم والخلل في أي منهما يؤدي إلى الإصابة بمرض السكر، والغدة غير الصماء التي هي أحد مكونات البنكرياس تُفرز بعض الإنزيمات التي تُساعد في عملية الهضم. لقد كان حسني مبارك في خريف حكمه رئيساً عنيداً وهو الآن في «منفاه» الداخلي بشرم الشيخ على البحر الأحمر رئيس سابق عنيد، فقد قالوا إنه يرفض وصفات الأطباء وعلاجاتهم، وأنه رفض أن يسافر إلى ألمانيا لتلقي العلاج، وأنه رفض دعوات أربعة حكام عرب باستضافته في بلادهم رئيساً سابقاً، وأنه مصمم على أن يموت في مصر وعلى أن يُدفن فيها، ويقولون أيضاً إنه في غيبوبة لا يفيق منها إلا قليلاً. وهي مأساة بكل المقاييس، ولكن على نفسها جنت براقش، ولو أن حسني مبارك اكتفى بفترة رئاسية واحدة أو اثنتين لكان مبارك يعيش الآن رئيساً سابقاً معززاً مكرّماً داخل مصر وخارجها. والشعب المصري عاطفي، وأيضاً الشعوب العربية ولذلك فإن إصرار مبارك على البقاء في مصر والموت على أرضها سوف يخلق قدراً من التعاطف الإنساني نحوه وهو قدر محدود لن يُحدث تأثيراً يُذكر على الموقف العام للشعب المصري من رئيسه السابق الذي في عهده تراجعت مكانة مصر في كافة المجالات إلى مستوى لا يمكن تصوره، وفقد الإنسان المصري البسيط إيمانه الخالد بأن الغد هو أفضل أو أحلى الأيام. ولقد عادت مصر بعد إطاحتها بنظام حسني مبارك إلى نفسها وإلى ما ينبغي أن تكونه أماً للدنيا وعاصمة لأمتها العربية وقارتها الإفريقية وعالمها الإسلامي. رحل الرئيس.. يحيا الشعب.